أولئك فرحوا بالحياة الدنيا ومتاعها الزائل فلم يتطلعوا إلى الآخرة ونعيمها المقيم. مع أن الله هو الذي يقدر الرزق فيوسع فيه أو يضيق فالأمر كله إليه في الأولى والآخرة على السواء. ولو ابتغوا الآخرة ما حرمهم الله متاع الأرض، وهو الذي أعطاهم إياه :
﴿ الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر. وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع ﴾..
ولقد سبقت الإشارة إلى الفارق الضخم بين من يعلم أن ما أنزل إلى الرسول من ربه هو الحق، ومن هو أعمى. فالآن يحكي السياق شيئاً عن العمي الذين لا يرون آيات الله في الكون، والذين لا يكفيهم هذا القرآن، فإذا هم يطلبون آية. وقد حكى السياق شيئاً كهذا في شطر السورة الأول، وعقب عليه بأن الرسول ليس إلا منذراً والآيات عند الله. وهو الآن يحكيه ويعقب عليه ببيان أسباب الهدى وأسباب الضلال. ويضع إلى جواره صورة القلوب المطمئنة بذكر الله، لا تقلق ولا تطلب خوارق لتؤمن وهذا القرآن بين أيديها. هذا القرآن العميق التأثير، حتى لتكاد تسير به الجبال وتقطع به الأرض، ويكلم به الموتى لما فيه من سلطان وقوة ودفعة وحيوية. وينهي الحديث عن هؤلاء الذين يتطلبون القوارع والخوارق بتيئيس المؤمنين منهم، وبتوجيههم إلى المثلات من قبلهم، وإلى ما يحل بالمكذبين من حولهم بين الحين والحين :
﴿ ويقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه! قل : إن الله يضل من يشاء، ويهدي إليه من أناب : الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله. ألا بذكر الله تطمئن القلوب. الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب ﴾..
﴿ كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك، وهم يكفرون بالرحمن. قل : هو ربي لا إله إلا هو عليه توكلت، وإليه متاب ﴾..


الصفحة التالية
Icon