وفق ما تقتضيه حكمته وعندما يشاء.
وإذا كان هناك خلاف جزئي بين ما أنزل على الرسول وما عليه أهل الكتاب، فإن لكل فترة كتاباً، وهذا هو الكتاب الأخير :
﴿ لكل أجل كتاب. يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ﴾..
فما انقضت حكمته يمحوه، وما هو نافع يثبته. وعنده أصل الكتاب، المتضمن لكل ما يثبته وما يمحوه. فعنه صدر الكتاب كله، وهو المتصرف فيه، حسبما تقتضي حكمته، ولا راد لمشيئته ولا اعتراض.
وسواء أخذهم الله في حياة الرسول ﷺ بشيء مما أوعدهم، أو توفاه إليه قبل ذلك، فإن هذا لا يغير من الأمر شيئاً، ولا يبدل من طبيعة الرسالة وطبيعة الألوهية :
﴿ وإمّا نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك، فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب ﴾..
وفي هذا التوجيه الحاسم ما فيه من بيان طبيعة الدعوة وطبيعة الدعاة.. إن الدعاة إلى الله ليس عليهم إلا أن يؤدوا تكاليف الدعوة في كل مراحلها ؛ وليس عليهم أن يبلغوا بها إلا ما يشاؤه الله. كما أنه ليس لهم أن يستعجلوا خطوات الحركة، ولا أن يشعروا بالفشل والخيبة، إذا رأوا قدر الله يبطئ بهم عن الغلب الظاهر والتمكين في الأرض، إنهم دعاة وليسوا إلا دعاة.
وإن يد الله القوية لبادية الآثار فيما حولهم، فهي تأتي الأمم القوية الغنية حين تبطر وتكفر وتفسد فتنقص من قوتها وتنقص من ثرائها وتنقص من قدرها ؛ وتحصرها في رقعة من الأرض ضيقة بعد أن كانت ذات سلطان وذات امتداد، وإذا حكم الله عليها بالانحسار فلا معقب لحكمه، ولا بد له من النفاذ :
﴿ أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها من أطرافها! والله يحكم لا معقب لحكمه، وهو سريع الحساب ﴾..
وليسوا هم بأشد مكراً ولا تدبيراً ولا كيداً ممن كان قبلهم. فأخذهم الله وهو أحكم تدبيراً وأعظم كيداً :
﴿ وقد مكر الذين من قبلهم فلله المكر جميعاً. يعلم ما تكسب كل نفس، وسيعلم الكفار لمن عقبى الدار ﴾..