إن افتتاح السورة، وطبيعة الموضوعات التي تعالجها، وكثيراً من التوجيهات فيها.. كل أولئك يدل دلالة واضحة على أن السورة مكية وليست مدنية كما جاء في بعض الروايات والمصاحف وأنها نزلت في فترة اشتد فيها الإعراض والتكذيب والتحدي من المشركين ؛ كما كثر فيها طلب الخوارق من الرسول ﷺ واستعجال العذاب الذي ينذرهم به ؛ مما اقتضى حملة ضخمة تستهدف تثبيت الرسول ﷺ ومن معه على الحق الذي أنزل إليه من ربه، في وجه المعارضة والإعراض، والتكذيب والتحدي ؛ والاستعلاء بهذا الحق، والإلتجاء إلى الله وحده ؛ وإعلان وحدانيته إلهاً ورباً ؛ والثبات على هذه الحقيقة ؛ والاعتقاد بأنها هي وحدها الحق، مهما كذب بها المشركون. كما تستهدف مواجهة المشركين بدلائل هذا الحق في الكون كله، وفي أنفسهم، وفي التاريخ البشري وأحداثه كذلك ؛ مع حشد جميع هذه المؤثرات ومخاطبة الكينونة البشرية بها خطاباً مؤثراً موحياً عميق الإيقاع قوي الدلالة.
وهذه نماذج من التوكيدات على أن هذا الكتاب هو وحده الحق ؛ وأن الإعراض عنه، والتكذيب به، والتحدي، وبطء الاستجابة، ووعورة الطريق.. كلها لا تغير شيئاً من تلك الحقيقة الكبيرة :
* ﴿ تلك آيات الكتاب، والذي أنزل إليك من ربك الحق، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون ﴾..
* ﴿ ويستعجلونك بالسيئة قبل الحسنة وقد خلت من قبلهم المثلات، وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم، وإن ربك لشديد العقاب. ويقول الذين كفروا : لولا أنزل عليه آية من ربه! إنما أنت منذر، ولكل قوم هاد ﴾.
* ﴿ له دعوة الحق، والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء، إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلال ﴾.
* ﴿ كذلك يضرب الله الحق والباطل.
فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض. كذلك يضرب الله الأمثال ﴾..