وقال الجنيد قدس سره : لا يرتقي أحد في درجات العبودية حتى يحكم فيما بينه وبين الله تعالى أوائل البدايات وهي الفروض والواجبات والسنن والأوراد، ومطايا الفضل عزائم الأمور فمن أحكم على نفسه هذا من الله تعالى عليه بما بعده ﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرّيَّةً ﴾ فيه على ما قيل إشارة إلى أنه إذا شرف الله تعالى شخصاً بولايته لم يضر به مباشرة أحكام البشرية من الأهل والولد ولم يكن بسط الدنيا له قدحاً في ولايته، وقوله سبحانه :﴿ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِىَ بِئَايَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله ﴾ فيه منع طلب الكرامات واقتراحها من المشايخ ﴿ لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ [ الرعد : ٣٨ ] لكل وقت أمر مكتوب يقع فيه ولا يقع في غيره ؛ ومن هنا قيل : الأمور مرهونة لأوقاتها، وقيل : لله تعالى خواص في الأزمنة والأمكنة والأشخاص ﴿ يَمْحُو الله ﴾ ما يشاء ويثبت } قيل : يمحو عن ألواح العقول صور الأفكار ويثبت فيها أنوار الأذكار ويمحو عن أوراق القلوب علوم الحدثان ويثبت فيها لدنيات علم العرفان، وقيل : يمحو العارفين بكشف جلاله ويثبتهم في وقت آخر بلطف جماله، وقال ابن عطاء : يمحو أوصافهم ويثبت أسرارهم لأنها موضع المشاهدة، وقيل : يمحو ما يشاء عن الألواح الجزئية التي هي النفوس السماوية من النقوش الثابتة فيها فيعدم عن المواد ويفنى ويثبت ما يشاء فيها فيوجد ﴿ وَعِندَهُ أُمُّ الكتاب ﴾ [ الرعد : ٣٩ ] العلم الأزلي القائم بذاته سبحانه، وقيل : لوح القضاء السابق الذي هو عقل الكل وفيه كل ما كان ويكون أزلاً وأبداً على الوجه الكلي المنزه عن المحو والاثبات، وذكروا أن الألواح أربعة.
لوح القضاء السابق العالي عن المحو والإثبات وهو لوح العقل الأول.
ولوح القدر وهو لوح النفس الناطقة الكلية التي يفصل فيها كليات اللوح الأول وهو المسمى باللوح المحفوظ.