﴿ وَقَدْ مَكَرَ ﴾ الكفار ﴿ الذين ﴾ خلوا ﴿ مِن قَبْلِهِمُ ﴾ من قبل كفار مكة بأنبيائهم وبالمؤمنين كما فعل هؤلاء، وهذا تسلية لرسول الله ﷺ بأنه لا عبرة بمكرهم ولا تأثير بل لا وجود له في الحقيقة، ولم يصرح سبحانه بذلك اكتفاءً بدلالة القصر المستفاد من تعليله أعني قوله تعالى :﴿ فَلِلَّهِ المكر ﴾ أي جنس المكر ﴿ جَمِيعاً ﴾ لا وجود لمكرهم أصلاً، إذ هو عبارة عن إيصال المكروه إلى الغير من حيث لا يشعر به وحيث كان جميع ما يأتون ويذرون بعلمه وقدرته سبحانه وإنما لهم مجرد الكسب من غير فعل ولا تأثير حسبما يبينه قوله تعالى :﴿ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ ومن قضيته عصمة أوليائه سبحانه وعقاب الماكرين بهم توفية لكل نفس جزاء ما كسبت ظهر أن ليس لمكرهم بالنسبة إلى من مكروا بهم عين ولا أثر وإن المكر كله لله تعالى حيث يؤاخذهم بما كسبوا من فنون المعاصي التي من جملتها مكرهم من حيث لا يحتسبون، كذا قاله شيخ الإسلام، وقد تكلف قدس سره في ذلك ما تكلف، وحمل الكسب على ما هو الشائع عند الأشاعرة والله تعالى لا يفرق بينه وبين الفعل وكذا رسوله ﷺ والصحابة رضي الله تعالى عنهم والتابعون واللغويون ؛ وقيل : وجه الحصر أنه لا يعتد بمكر غيره سبحانه لأنه سبحانه هو القادر بالذات على إصابة المكروه المقصود منه وغيره تعالى إن قدر على ذلك فبتمكينه تعالى وإذنه فالكل راجع إليه جل وعلا.
وفي "الكشاف" أن قوله تعالى :﴿ يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ ﴾ الخ تفسير لقوله سبحانه :﴿ فَلِلَّهِ المكر جَمِيعًا ﴾ لأن من علم ما تكسب كل نفس وأعدلها جزاءها فهو له المكر لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون وهم في غفلة مما يراد بهم، وقيل : الكلام على حذف مضاف أي فلله جزاء المكر.


الصفحة التالية
Icon