لم يتبعه على دينه فليس منه، وهو كذلك، ولكن ينفي ما يرد عليه من أن أهل مكة من نسل إسماعيل عليه السلام ابنه قد عبدوا الأوثان وهذا مردود، لأنهم ليسوا في زمن إسماعيل ولا أولاد إسماعيل أيضا، فلا محل لهذا الإيراد، ولا يرد أيضا ما جاء في الحديث الصحيح (يخرب الكعبة ذو السويقتين من الحبشة) لأن المراد بالأمن الذي طلبه إبراهيم أمن أهلها وقد كان، قال تعالى (أَ وَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ) الآية ٦٨ من سورة العنكبوت الآتية أي وهم آمنون، على أنه لو أريد بالأمن عدم خرابها لا يتجه أيضا، لأن اللّه تعالى قد حفظها من كل من أراد خرابها، أبرهة فمن قبله وحتى الآن محفوظة بحفظ اللّه، وستبقى كذلك بإذن اللّه إلى الوقت المقدر لخرابها، إذ لا يبقى لها أهل ولا من يقول اللّه، وهو من علامات الساعة، فلا تنافي بين الحديث والآية على هذا المعنى أيضا، والأول أولى وأوجه "رَبِّ إِنَّهُنَّ" الأصنام "أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ" وهو يعلم أن المضل في الحقيقة هو اللّه كما ذكرناه في الآية ١١٢ من الأنعام المارة، لأن هذه الأصنام وإبليس وشياطين الإنس والجن لا تقدر أن تضل من هداه اللّه، قال تعالى (مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِداً) الآية ١٧ من سورة الكهف، ولا سيما الأصنام لأنها جماد لا تعقل حتى تضل غيرها، إلا أنه لما حصل الإضلال بعبادتها أضيف إليها كما أضيف الغرور والفتنة إلى الدنيا، والنزغ والإغواء والتزيين إلى الشيطان، راجع الآية ٣٩ من سورة الحجر المارة وما ترشدك إليه تقف على ما تريده من هذا البحث مفصلا، ثم خصّص عليه السلام دعاءه العام في صدر هذه الآية بقوله "فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي"