أخرج البخاري في ناسخه عن الحبر أن هذه السورة مكيّة إلا آيتين منها فإنهما نزلتا بالمدينة وهما (ألم تر) إلخ نزلتا في قتلى بدر من المشركين، والآية عامة لفظا ومعنى، وما خصه بعض المفسرين بكفار قريش بأن اللّه تعالى أسكنهم حرمه ووسع عليهم بإيلاف الرحلتين وجعلهم قوام بيته فأبدلوا هذه النعمة كفرا به وجحودا بربوبيته، أو أنه من عليهم بالقرآن العظيم فكفروا به وهو لا نعمة تضاهيه ولا خير يوازيه، أو أنهم من عليهم بمحمد صلى اللّه عليه وسلم الذي هو أكبر نعمة وأجل منة وأعظم منحة فلم يؤمنوا به وبدلوه بالكفر لا يخصصها، وكذلك لا يقيدها الحديث الذي أخرجه الحاكم وصححه وابن جرير والطبراني وغيرهم من طرق، عن علي كرم اللّه وجهه، أنه قال في هؤلاء المبدلين هما الأفجران من قريش بنو أمية وبنو المغيرة، فأما بنو المغيرة بقطع اللّه دابرهم يوم بدر، وأما بنو أمية فمتعوا إلى حين.
لأن هذا القول صدر منه بعد نزولها في زمن خلافته كما يدل عليه لفظه، وكذلك ما أخرجه البخاري في تاريخه وابن المنذر وغيرهما عن عمر رضي اللّه عنه في هذا المعنى، ويدل على عمومها ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي اللّه عنهما أنه قال هم جبلة بن الأيهم والذين اتبعوه من العرب فلحقوا بالروم، لأن هذه الحادثة وقعت زمن عمر فلا علاقة لها بسبب نزولها، بل تشمل كل من بدّل النعمة كفرا، وهذا هو الأولى والأوفق، قال تعالى "وَجَعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً" أمثالا وأشباها يعبدونها من دونه "لِيُضِلُّوا" أنفسهم وغيرهم "عَنْ سَبِيلِهِ" الحق الذي لا مئيل له ولا شبيه "قُلْ" لأمثال هؤلاء يا سيد الرسل "تَمَتَّعُوا" في هذه الدنيا بشهواتكم الخبيثة أياما قليلة "فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ" ٣٠ في الآخرة وبئس المصير النار،
ويا أكرم الرسل


الصفحة التالية
Icon