﴿شكور﴾ أي عظيم الشكر لنعمائه، فإن أيامه عند أوليائه لا تخلو من نعمة أو نقمة، وفي صيغة المبالغة أشارة إلى أن عادته تعالى جرت بأنه إنما ينصر أولياءه بعد طول الامتحان بعظيم البلاء ليتبين الصادق من الكاذب ﴿حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله﴾ [ البقرة : ٢١٤ ] ﴿حتى إذا استيئس الرسل﴾ [ يوسف : ١١٠ ]، ﴿الم أحسب الناس أن يتركوا﴾ [ العنكبوت : ٢ ] وذلك أنه لا شيء أشق على النفوس من مفارقة المألوف لا سيما إن كان ديناً ولا سيما إن كان قد درج عليه الأسلاف، فلا يقوم بالدعاء إلى الدين إلا من بلغ الذروة في الصبر.
ولما ذكر ما أمر به موسى عليه السلام، وكان قد تقدم أمره في الشريف إليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالاقتداء بالأنبياء الذين هو من رؤوسهم وأولي عزمهم، كان كأنه قيل : فبين أنت للناس ما نزل إليهم وذكرهم بأيام الله اقتداء بأخيك موسى عليه السلام ﴿و﴾ اذكر لهم خبره فإن أيامه من أعظم أيام الله : أشدها محنة وأجلها منحة ﴿إذ قال موسى﴾ امتثالاً لما أمرناه به ﴿لقومه﴾ مذكراً لهم بأيام الله معهم ثم أيامه مع غيرهم.
ولما كان المراد بالتذكير بالأيام زيادة الترغيب والترهيب، أشار إلى أن مقام الترهيب هنا أهم للحث على تركهم الضلال بترك عادته في الترفق بمثل ما في البقرة والمائدة من الاستعطاف بعاطفة الرحم بقوله :﴿ياقوم﴾ فأسقطها هنا إشارة إلى أن المقام يقتضي الإبلاغ في الإيجاز في التذكير للخوف من معاجلتهم بالعذاب فقال :﴿اذكروا نعمة الله﴾ أي ذي الجلال والإكرام، وعبر بالنعمة عن الإنعام حثاً على الاستدلال بالأثر على المؤثر ﴿عليكم﴾ ثم أبدل من " نعمة " قوله :﴿إذ﴾ وهو ظرف النعمة.


الصفحة التالية
Icon