فصل


قال الفخر :
﴿ الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (١) ﴾

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

اعلم أن الكلام في أن هذه السورة مكية أو مدنية طريقه الآحاد.
ومتى لم يكن في السورة ما يتصل بالأحكام الشرعية فنزولها بمكة والمدينة سواء، وإنما يختلف الغرض في ذلك إذا حصل فيه ناسخ ومنسوخ فيكون فيه فائدة عظيمة وقوله :﴿الر كِتَابٌ﴾ معناه أن السورة المسماة بالر كتاب أنزلناه إليك لغرض كذا وكذا فقوله :﴿الر﴾ مبتدأ وقوله :﴿كِتَابٌ﴾ خبره وقوله :﴿أنزلناه إِلَيْكَ﴾ صفة لذلك الخبر وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
دلت هذه الآية على أن القرآن موصوف بكونه منزلاً من عند الله تعالى.
قالت المعتزلة : النازل والمنزل لا يكون قديماً.
وجوابنا : أن الموصوف بالنازل والمنزل هو هذه الحروف وهي محدثة بلا نزاع.
المسألة الثانية :
قالت المعتزلة : اللام في قوله :﴿لِتُخْرِجَ الناس﴾ لام الغرض والحكمة، وهذا يدل على أنه تعالى إنما أنزل هذا الكتاب لهذا الغرض، وذلك يدل على أن أفعال الله تعالى وأحكامه معللة برعاية المصالح.
أجاب أصحابنا عنه بأن من فعل فعلاً لأجل شيء آخر فهذا إنما يفعله لو كان عاجزاً عن تحصيل هذا المقصود إلا بهذه الواسطة وذلك في حق الله تعالى محال، وإذا ثبت بالدليل أنه يمتنع تعليل أفعال الله تعالى وأحكامه بالعلل ثبت أن كل ظاهر أشعر به فإنه مؤول محمول على معنى آخر.
المسألة الثالثة :
إنما شبه الكفر بالظلمات لأنه نهاية ما يتحير الرجل فيه عن طريق الهداية وشبه الإيمان بالنور لأنه نهاية ما ينجلي به طريق هدايته.
المسألة الرابعة :
قال القاضي : هذه الآية فيها دلالة على إبطال القول بالجبر من جهات : أحدها : أنه تعالى لو كان يخلق الكفر في الكافر فكيف يصح إخراجه منه بالكتاب.


الصفحة التالية
Icon