الوجه الثالث : أن الإنسان إذا وقع في محنة شديدة وبلية قوية لا يبقى في ظنه رجاء المعاونة من أحد، فكأنه بأصل خلفته ومقتضى جبلته يتضرع إلى من يخلصه منها ويخرجه عن علائقها وحبائلها وما ذاك إلا شهادة الفطرة بالإفتقار إلى الصانع المدبر.
الوجه الرابع : أن الموجود إما أن يكون غنياً عن المؤثر أو لا يكون، فإن كان غنياً عن المؤثر فهو الموجود الواجب لذاته، فإنه لا معنى للواجب لذاته إلا الموجود الذي لا حاجة به إلى غيره.
وإن لم يكن غنياً عن المؤثر فهو محتاج، والمحتاج لا بد له من المحتاج إليه وذلك هو الصانع المختار.
الوجه الخامس : أن الاعتراف بوجود الإله المختار المكلف، وبوجود المعاد أحوط، فوجب المصير إليه فهذه مراتب أربعة : أولها : أن الإقرار بوجود الإله أحوط، لأنه لو لم يكن موجوداً فلا ضرر في الإقرار بوجوده وإن كان موجوداً ففي إنكاره أعظم المضار.
وثانيها : الإقرار بكونه فاعلاً مختاراً لأنه لو كان موجباً فلا ضرر في الإقرار بكونه مختاراً.
أما لو كان مختاراً ففي إنكار كونه مختاراً أعظم المضار.
وثالثها : الإقرار بأنه كلف عباده، لأنه لو لم يكلف أحداً من عبيده شيئاً فلا ضرر في اعتقاد أنه كلف العباد، أما إنه لو كلف ففي إنكار تلك التكاليف أعظم المضار.
ورابعها : الإقرار بوجود المعاد فإنه إن كان الحق أنه لا معاد فلا ضرر في الإقرار بوجوده، لأنه لا يفوت إلا هذه اللذات الجسمانية وهي حقيرة ومنقوصة وإن كان الحق هو وجوب المعاد ففي إنكاره أعظم المضار فظهر أن الإقرار بهذه المقامات أحوط فوجب المصير إليه، لأن بديهة العقل حاكمة بأنه يجب دفع الضرر عن النفس بقدر الإمكان.
المسألة الثالثة :


الصفحة التالية
Icon