والشبهة الثالثة : أن قالوا المعجز لا يدل على الصدق أصلاً، وإن كانوا سلموا على أن المعجز يدل على الصدق، إلا أن الذي جاء به أولئك الرسل طعنوا فيه وزعموا أنها أمور معتادة، وأنها ليست من باب المعجزات الخارجة عن قدرة البشر، وإلى هذا النوع من الشبهة الإشارة بقوله :﴿فَأْتُونَا بسلطان مُّبِينٍ﴾ فهذا تفسير هذه الآية بحسب الوسع، والله أعلم.
﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾
اعلم أنه تعالى لما حكى عن الكفار شبهاتهم في الطعن في النبوة، حكى عن الأنبياء عليهم السلام جوابهم عنها.
أما الشبهة الأولى : وهي قولهم :﴿إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا﴾ فجوابه : أن الأنبياء سلموا أن الأمر كذلك، لكنهم بينوا أن التماثل في البشرية والإنسانية لا يمنع من اختصاص بعض البشر بمنصب النبوة لأن هذا المنصب منصب يمن الله به على من يشاء من عباده، فإذا كان الأمر كذلك فقد سقطت هذه الشبهة.
واعلم أن هذا المقام فيه بحث شريف دقيق، وهو أن جماعة من حكماء الإسلام قالوا : إن الإنسان ما لم يكن في نفسه وبدنه مخصوصاً بخواص شريفة علوية قدسية، فإنه يمتنع عقلاً حصول صفة النبوة له.