وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ ﴾
استفهام معناه الإنكار ؛ أي لا شك في الله، أي في توحيده ؛ قاله قَتَادة.
وقيل : في طاعته.
ويحتمل وجهاً ثالثاً : أفي قدرة الله شك؟ا لأنهم متفقون عليها ومختلفون فيما عداها ؛ يدلّ عليه قوله :﴿ فَاطِرِ السماوات والأرض ﴾ خالقها ومخترعها ومنشئها وموجدها بعد العدم، لينبه على قدرته فلا تجوز العبادة إلا له.
﴿ يَدْعُوكُمْ ﴾ أي إلى طاعته بالرسل والكتب.
﴿ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ ﴾ قال أبو عبيد :"مِنْ" زائدة.
وقال سيبويه : هي للتبعيض ؛ ويجوز أن يذكر البعض والمراد منه الجميع.
وقيل :"مِن" للبدل وليست بزائدة ولا مُبعِّضَة ؛ أي لتكون المغفرة بدلاً من الذنوب.
﴿ وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ يعني الموت، فلا يعذبكم في الدنيا.
﴿ قالوا إِنْ أَنتُمْ ﴾ أي ما أنتم.
﴿ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا ﴾ في الهيئة والصورة ؛ تأكلون مما نأكل، وتشربون مما نشرب، ولستم ملائكة.
﴿ تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا ﴾ من الأصنام والأوثان ﴿ فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ ﴾ أي بحجة ظاهرة ؛ وكان هذا مِحالاً منهم ؛ فإن الرسل ما دعوا إلا ومعهم المعجزات.
قوله تعالى :﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ ﴾
أي في الصورة والهيئة كما قلتم.
﴿ ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ أي يتفضّل عليه بالنبوّة.
وقيل ؛ بالتوفيق والحكمة والمعرفة والهداية.
وقال سهل بن عبد الله : بتلاوة القرآن وفهم ما فيه.
قلت : وهذا قول حسن ؛ وقد خرّج الطبريّ من حديث ابن عمر قال قلت لأبي ذرّ : يا عمّ أوصني ؛ قال : سألت رسول الله ﷺ كما سألتني فقال :" ما من يوم ولا ليلة ولا ساعة إلا ولله فيه صدقة يمنّ بها على من يشاء من عباده وما منّ الله تعالى على عباده بمثل أن يُلهمهم ذِكره ".