ومرّة يطلق على الحجة التي تُقنع بالفعل، ويكون الفاعل مُحِباً لما يَقْدُم عليه، والدين لا يمكن أن ينتشر قهراً ؛ بل لا بُدَّ أن يُقبل الإنسان على الدين بقلبه، وذلك لا يأتي قهراً.
لذلك نجد القول الحق :﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي... ﴾ [ البقرة : ٢٥٦ ].
وما دام الرُّشدْ قد ظهر فالإكراه لا مجالَ له ؛ لأن الذي يُكْره على شيء لا يمكن له أن يعتنق ما يُكره عليه.
وإذا ما دخل الإنسان الدين فعليه أن يلتزَم بما يُكلِّف به الدين ؛ ولذلك فالإنسان لا يمكن أن يدخل إلى الدين مُكْرهاً، بل، لا بُدَّ أن يدخله على بصيرة.
ويأتي الحق سبحانه بعد ذلك بما قاله الرسل رداً على قَوْل أهل الكفر :﴿ قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ... ﴾.
وهكذا أوضح الرسل لأقوامهم : نحن بشر مثلكم، والسلطان الذي نملكه هو المعجزة التي اختص بها الحق سبحانه كُلَّ رسول، والحق سبحانه هو الذي يتفضَّل على عباده ؛ فيختار منهم الرسول المناسب لكل قوم ؛ ويرسل معه المعجزة الدالة على تلك الرسالة ؛ ويقوم الرسول بتبليغ كل ما يأمر به الله.
وكل رسول إنما يفعل ذلك ويُقبِل عليه بكل الثقة في أن الحق سبحانه لن يخذله وسينصره ؛ فسبحانه هو القائل :﴿ وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون ﴾ [ الصافات : ١٧٣ ].
ويخبرنا سبحانه بطمأنة الرسول ومَنْ معه لحظةَ أن تزلزلهم جِسَام الأحداث ؛ وتبلغ قلوبهم الحناجر، ويتساءلون :﴿ متى نَصْرُ الله... ﴾ [ البقرة : ٢١٤ ].
فتأتي أخبار نَصرْ الحق سبحانه لرسله السابقين لطمأنه المؤمنين، ونجد الحق سبحانه هنا يقول :
﴿ وَعلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون ﴾ [ إبراهيم : ١١ ].