ثم تلا ذلك بقوله :﴿وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه﴾ [ إبراهيم : ٤ ] أي ليكون أبلغ في الحجة وأقطع للعذر، فربما كانوا يقولون عند اختلاف الألسنة : لا نفهم عنهم، إذ قالوا ذلك مع اتفاق اللغات، فقد قال قوم شعيب عليه السلام ﴿وما نفقة كثيراً مما تقول﴾ [ هود : ٩١ ] هذا وهو عليه السلام يخاطبهم بلسانهم فكيف لو كان على خلاف ذلك بل لو خالفت الرسل عليهم السلام الأمم في التبتل وعدم اتخاذ الزوجات والأولاد واستعمال الأغذية وغيرها من مألوفات البشر لكان منفراً، فقد بان وجه الحكمة في كونهم من البشر ولو كانوا من الملائكة لوقع النفار والشرود لافتراق الجنسية، وإليه الإشارة بقوله تعالى :﴿ولو جعلناه ملكاً لجعلناه رجلاً وللبسنا عليهم ما يلبسون﴾ [ الأنعام : ٩ ] أي ليكون أقرب إليهم لئلا يقع تنافر فكونهم من البشر أقرب وأقوم للحجة.
ولما كانت رسالة محمد ـ ﷺ ـ عامة، كان عليه الصلاة والسلام يخاطب كل طائفة من طوائف العرب بلسانها ويكلمها بما تفهم، وتأمل كم بين كتابه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنس ـ رضى الله عنهم ـ في الصدقة وكتابه إلى وائل بن حجر مع اتحاد الغرض، وللكتابين نظائر يوقف عليها في مظانها، وكل ذلك لتقوم الحجة على الجميع، واستمر باقي سورة إبراهيم عليه السلام على التعريف بحال مكذبي الرسل ووعيد من خالفهم وبيان بعض أهوال الآخرة وعذابها - انتهى. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ٤ صـ ١٦٧ ـ ١٧٠﴾


الصفحة التالية
Icon