وجه ثامن : كون الشيء موجوداً في نفسه أقرب وأقبل عند العقل من كونه موجداً لغيره، إذ ليس كل من له وجود في نفسه يكون موجداً لغيره، وكل موجد لغيره موجود في نفسه. وإذا كان اتصاف الوجود الممكن مع ضعفه بأبعد الأمرين عن القبول واقعاً، فكيف لا يكون اتصاف الوجود الواجب مع قوّته بأقربهما من القبول واقعاً؟
وجه تاسع : انجذاب النفوس السليمة وغير السليمة من الأنبياء والأولياء والحكماء وسائر العقلاء من إخوان الصفاء وأخدان الوفاء وأرباب البدع والأهواء إلى وجود واجب متى رجعوا إلى أنفسهم وطالعوا ملكوت السموات والأرض وتأملوا في الأحوال الواردة عليهم من كشف كرب أو هجوم نعمة، أجلى دليل على وجود رب جليل منزه عن سمات النقص والأفول في حيز الإمكان، مفيض للخيرات مدبر للممكنات ولهذا قال رب السموات والأرضين عن الظلمة والمعاندين ﴿ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله ﴾ [ لقمان : ٢٥ ] ثم أخبر أنهم يعتذرون عن أصنامهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله، إذ لم يكن جحدهم وعنادهم عن تحقيق وصدق وإنما كانوا مكابرين في الظاهر ابتلاء من الله وشقاء منهم فالحاصل أن المؤمن والمشرك والمقر والجاحد سيان في أنه تشهد فطرته بوجود صانع للعالم واجب في ذاته وصفاته، ولا أدل من ذلك على أنه ضروري الوجود.
وجه عاشر : وهو الاستدلال بالآفاق كل موجود سوى الواجب فله ظهور في الخارج، لكنه إذا اعتبر في نفسه لم يكن له ذلك من تلقاء نفسه فكان فقيراً في نفسه وذلك أفول له في أفق الإمكان، وإذا كان ما مقتضى ذاته الأفوال طالعاً فما مقتضى ذاته الطلوع أولى بأن يكون طالعاً.