ثم إن الرسل بعد التنبيه على وجود الصانع ذكروا فائدة الدعوة وغايتها وذلك ثنتان : الأولى قوله :﴿ يدعوكم ﴾ أي إلى الإيمان ﴿ ليغفر لكم من ذنوبكم ﴾ استدل بالآية من جوّز زيادة " من " في الإثبات وذلك لقوله تعالى في موضع آخر :﴿ إن الله يغفر الذنوب جميعاً ﴾ ﴿ الزمر : ٥٣ ]. وأجيب بأنه لا يلزم من غفران جميع الذنوب لأمة محمد ﷺ غفران جميع الذنوب لغيرهم، فالوجه أن تكون " من " للتبعيض تمييزاً بين الفريقين، ويؤيد ما ذكرنا استقراء الآيات فإنها ما جاءت في خطاب الكافرين إلا مقرونة ب " من " كما في هذه الآية، وفي سورة نوح وسورة الأحقاف. وقال في خطاب المؤمنين في سورة الصف { يغفر لكم ذنوبكم ﴾ [ الآية : ١٢ ] بغير " من ". وقيل : أراد أن يغفر لهم ما بينهم وبين الله بخلاف ما بينهم وبين العباد من المظالم. وقيل :" من " للبدل أي لتكون المغفرة بدلاً من الذنوب. وضعف بأنه لم يوجد له في اللغة نظير. وعن الأصم : أنه أراد إذا تبتم يغفر لكم بعض الذنوب التي هي الكبائر. فأما الصغائر فلا حاجة إلى غفرانها لأنها في أنفسها مغفورة. وزيفه القاضي بأن الصغيرة إنما تكون مغفورة من الموحدين حيث يزيد ثوابهم على عقابهم، فأما من لا ثواب له أصلاً فلا يكون شيء من ذنوبه صغيراً ولا كبيراً مغفوراً.


الصفحة التالية
Icon