وهذا وصف حاله في الدنيا أو في الآخرة حين يبعث ويوقف. قال جار الله : قوله :﴿ ويسقى ﴾ معطوف على محذوف تقديره يلقى في جهنم ما يلقى ﴿ ويسقى من ماء صديد ﴾ أي من ماء بيانه أو صفته هذا. والصديد ما يسيل من جلود أهل النار واشتقاقه من الصد لأنه يصد الناظر عن رؤيته أو تناوله. وقيل : يخلق الله في جهنم ما يشبه الصديد في النتن والغلظ والقذارة. ﴿ يتجرعه ﴾ يتكلف جرعه ﴿ ولا يكاد يسيغه ﴾ أي لم يقارب الإساغة فضلاً عن الإساغة قيل : ليس المراد بالإساغة مجرد حصول المشروب في الجوف لأن هذا المعنى حاصل لأهل النار بدليل قوله :﴿ يصهر به ما في بطونهم ﴾ [ الحج : ٢٠ ] وإنما المراد جريان المشروب في الحلق في الاستطابة وقبول النفس لا بالكراهية والتأذي. قلت : يحتمل أن يراد بالإساغة مجرد الحصول، والآية - أعني قوله :﴿ ويصهر ﴾ - لا تدل على الحصول لقوله قبله :﴿ يصب من فوق رؤوسهم الحميم ﴾ [ الحج : ١٩ ]. ﴿ ويأتيه الموت من كل مكان ﴾ من جسده حتى من إبهام رجله. وقيل : من أصل كل شعرة. وقيل : المراد أن موجبات الموت أحاطت به من جميع الجهات ومع ذلك فإنه لا يموت فيها ولا يحيا. ثم أخبر - والعياذ بالله- أن العذاب في كل وقت يفرض من الأوقات المستقبلة يكون أشد وأنكى مما قبله فقال :﴿ ومن ورائه عذاب غليظ ﴾ عن الفضيل : هو قطع الأنفاس وحبسها في الأجساد. قال في الكشاف : يحتمل أن يكون أهل مكة استفتحوا أي استمطروا. والفتح المطر في سني القحط التي سلطت عليهم بدعوة رسول الله ﷺ فلم يسقوا فذكر سبحانه ذلك، وأنه خيب رجاء كل جبار عنيد وأنه يسقى في جهنم بدل سقياه ماء أحرّ وهو صديد أهل النار. وعلى هذا الفسير يكون قوله :﴿ واستفتحوا ﴾ كلاماً مستأنفاً منقطعاً عن حديث الرسل وأممهم. أ هـ ﴿غرائب القرآن حـ ٤ صـ ١٧٠ ـ ١٨٣﴾