القول الأول : أن ما سوى الله بحسب القسمة العقلية على أقسام ثلاثة : المتحيز، والحال في المتحيز، والذي لا يكون متحيزاً ولا حالاً فيه، وهذا القسم الثالث لم يقم الدليل ألبتة على فساد القول به بل الدلائل الكثيرة قامت على صحة القول به، وهذا هو المسمى بالأرواح فهذه الأرواح إن كانت طاهرة مقدسة من عالم الروحانيات القدسية فهم الملائكة وإن كانت خبيثة داعية إلى الشرور وعالم الأجساد ومنازل الظلمات فهم الشياطين.
إذا عرفت هذا فنقول : فعلى هذا التقدير الشيطان لا يكون جسماً يحتاج إلى الولوج في داخل البدن بل هو جوهر روحاني خبيث الفعل مجبول على الشر، والنفس الإنسانية أيضاً كذلك فلا يبعد على هذا التقدير في أن يلقى شيء من تلك الأرواح أنواعاً من الوساوس والأباطيل إلى جوهر النفس الإنسانية، وذكر بعض العلماء في هذا الباب احتمالاً ثانياً، وهو أن النفوس الناطقة البشرية مختلفة بالنوع، فهي طوائف، وكل طائفة منها في تدبير روح من الأرواح السماوية بعينها، فنوع من النفوس البشرية تكون حسنة الأخلاق كريمة الأفعال موصوفة بالفرح والبشر وسهولة الأمر، وهي تكون منتسبة إلى روح معين من الأرواح السماوية، وطائفة أخرى منها تكون موصوفة بالحدة والقوة والغلظة، وعدم المبالاة بأمر من الأمور، وهي تكون منتسبة إلى روح آخر من الأرواح السماوية وهذه الأرواح البشرية كالأولاد لذلك الروح السماوي وكالنتائج الحاصلة، وكالفروع المتفرعة عليها، وذلك الروح السماوي هو الذي يتولى إرشادها إلى مصالحها، وهو الذي يخصها بالإلهامات حالتي النوم واليقظة.


الصفحة التالية
Icon