والصفة الرابعة : قوله :﴿تُؤْتِى أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ والمراد : أن الشجرة المذكورة كانت موصوفة بهذه الصفة، وهي أن ثمرتها لا بد أن تكون حاضرة دائمة في كل الأوقات، ولا تكون مثل الأشجار التي يكون ثمارها حاضراً في بعض الأوقات دون بعض، فهذا شرح هذه الشجرة التي ذكرها الله تعالى في هذا الكتاب الكريم ومن المعلوم بالضرورة أن الرغبة في تحصيل مثل هذه الشجرة يجب أن تكون عظيمة، وأن العاقل متى أمكنه تحصيلها وتملكها فإنه لايجوز له أن يتغافل عنها وأن يتساهل في الفوز بها.
إذا عرفت هذا فنقول : معرفة الله تعالى والاستغراق في محبته وفي خدمته وطاعته، تشبه هذه الشجرة في هذه الصفات الأربع.
أما الصفة الأولى : وهي كونها طيبة فهي حاصلة، بل نقول : لا طيب ولا لذيذ في الحقيقة إلا هذه المعرفة وذلك لأن اللذة الحاصلة بتناول الفاكهة المعينة إنما حصلت، لأن إدراك تلك الفاكهة أمر ملائم لمزاج البدن، فلأجل حصول تلك الملاءمة والمناسبة حصلت تلك اللذة العظيمة وههنا الملائم لجوهر النفس النطقية والروح القدسية، ليس إلا معرفة الله تعالى ومحبته والاستغراق في الابتهاج به فوجب أن تكون هذه المعرفة لذيذة جداً، بل نقول : اللذة الحاصلة من إدراك الفاكهة يجب أن تكون أقل حالاً من اللذة الحاصلة بسبب إشراق جوهر النفس بمعرفة الله وبيان هذا التفاوت من وجوه :
الوجه الأول : أن المدركات المحسوسة إنما تصير مدركة بسبب أن سطح الحاس يلاقي سطح المحسوس فقط، فأما أن يقال إن جوهر المحسوس نفذ في جوهر الحاس فليس الأمر كذلك، لأن الأجسام يمتنع تداخلها أما ههنا فمعرفة الله تعالى وذلك النور وذلك الإشراق صار سارياً في جوهر النفس متحداً به وكأن النفس عند حصول ذلك الإشراق تصير غير النفس التي كانت قبل حصول ذلك الإشراق فهذا فرق عظيم بين البابين.