وأما قوله :﴿بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ ففيه دقيقة عجيبة، وذلك لأن عند حصول هذه الأحوال السنية، والدرجات العالية، قد يفرح الإنسان بها من حيث هي هي، وقد يترقى فلا يفرح بها من حيث هي هي، وإنما يفرح بها من حيث إنها من المولى، وعند ذلك فيكون فرحه في الحقيقة بالمولى لا بهذه الأحوال، ولذلك قال بعض المحققين : من آثر العرفان للعرفان فقد قال بالفاني، ومن آثر العرفان لا للعرفان، بل للمعروف فقد خاض لجة الوصول، فقد ظهر بهذا التقرير الذي شرحناه والبيان الذي فصلناه أن هذا المثال الذي ذكره الله تعالى في هذا الكتاب مثال هادٍ إلى عالم القدس، وحضرة الجلال، وسرادقات الكبرياء، فنسأل الله تعالى مزيد الاهتداء والرحمة إنه سميع مجيب، وذكر بعضهم في تقرير هذا المثال كلاماً لا بأس به، فقال : إنما مثل الله سبحانه وتعالى الإيمان بالشجرة، لأن الشجرة لا تستحق أن تسمى شجرة، إلا بثلاثة أشياء : عرق راسخ، وأصل قائم، وأغصان عالية.
كذلك الإيمان لا يتم إلا بثلاثة أشياء : معرفة في القلب، وقول باللسان، وعمل بالأبدان، والله أعلم.
المسألة الثانية :
قال صاحب الكشاف : في نصب قوله :﴿كَلِمَةً طَيّبَةً﴾ وجهان : الأول : أنه منصوب بمضمر والتقدير : جعل كلمة طيبة كشجرة طيبة، وهو تفسير لقوله :﴿ضَرَبَ الله مَثَلاً ﴾.
الثاني : قال ويجوز أن ينتصب مثلاً.
وكلمة بضرب، أي ضرب كلمة طيبة مثلاً بمعنى جعلها مثلاً، وقوله :﴿كَشَجَرةٍ طَيّبَةٍ﴾ خبر مبتدأ محذوف، والتقدير : هي كشجرة طيبة.
الثالث : قال صاحب "حل العقد" أظن أن الأوجه أن يجعل قوله :﴿كَلِمَةَ﴾ عطف بيان، والكاف في قوله :﴿كَشَجَرَةٍ﴾ في محل النصب بمعنى مثل شجرة طيبة.
المسألة الثالثة :
قال ابن عباس : الكلمة الطيبة هي قول لا إله إلا الله، والشجرة الطيبة هي النخلة في قول الأكثرين.


الصفحة التالية
Icon