ولما كان الانتفاع بما ينبت من الأرض إنما يكمل بوجود الفلك الجواري في "البحر" وذلك لأنه تعالى خص كل طرف من أطراف الأرض بنوع من ذلك وبالنقل يكثر الربح ذكر سبحانه تسخير الفلك التي ينقل عليها واقتصر عليها اعتناءً بشأنها، ولما ذكر أمر الثمرات وما به يكمل الانتفاع بها من حيث النقل ذكر تسخير الأنهار العذبة التي يشرب منها الناس في سائر الأحيان إتماماً لأمر الرزق وذكر تسخير الشمس والقمر بعد لأن الانتفاع بهما ليس بالمباشرة كالانتفاع بالفلك والانتفاع بالانهار، وأخر تسخير الليل والنهار لأنهما عرضان وما تقدمهما جوهر والعرض من حيث هو بعد الجوهر اه، وليس بشيء يعول عليه.
﴿ وءاتاكم مّن كُلّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ﴾
أي أعطاكم بعض جميع ما سألتموه حسبما تقتضيه مشيئته التابعة للحكمة والمصلحة فمن كل مفعول ثان لآتى و﴿ مِنْ ﴾ تبعيضية، وقال بعض الكاملين : إن ﴿ كُلٌّ ﴾ للتكثير والتفخيم لا للإحاطة والتعميم كما في قوله تعالى :﴿ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلّ شَىْء ﴾ [ الأنعام : ٤٤ ] واعترض على حمل ﴿ مِنْ ﴾ على التبعيض دون ابتداء الغاية بأنه يفضي إلى إخلاء لفظ ﴿ كُلٌّ ﴾ عن فائدة زائدة لأن ﴿ مَا ﴾ نص في العموم بل يوهم إيتاء البعض من كل فرد متعلق به السؤال ولا وجه له.