قرأ ابن كثير وأبو عمرو " ليضلوا " بفتح الياء أي : ليضلوا أنفسهم عن سبيل الله، وتكون اللام للعاقبة، أي : ليتعقب جهلهم لله أنداداً ضلالهم، لأن العاقل لا يريد ضلال نفسه، وحسن استعمال لام العاقبة هنا ؛ لأنها تشبه الغرض والغاية من جهة حصولها في آخر المراتب، والمشابهة أحد الأمور المصححة للمجاز.
وقرأ الباقون بضم الياء ليوقعوا قومهم في الضلال عن سبيل الله، فهذا هو الغرض من جعلهم لله أنداداً.
ثم هدّدهم سبحانه، فقال لنبيه ﷺ :﴿ قُلْ تَمَتَّعُواْ ﴾ بما أنتم فيه من الشهوات، وما زينته لكم أنفسكم من كفران النعم وإضلال الناس ﴿ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار ﴾ أي : مردّكم ومرجعكم إليها ليس إلا، ولما كان هذا حالهم، وقد صاروا لفرط تهالكهم عليه وانهماكهم فيه لا يقلعون عنه، ولا يقبلون فيه نصح الناصحين، جعل الأمر بمباشرته مكان النهي قربانه إيضاحاً لما تكون عليه عاقبتهم، وأنهم لا محالة صائرون إلى النار فلا بدّ لهم من تعاطي الأسباب المقتضية ذلك، فجملة :﴿ فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النار ﴾ تعليل للأمر بالتمتع، وفيه من التهديد ما لا يقادر قدره.
ويجوز أن تكون هذه الجملة جواباً لمحذوف دلّ عليه سياق الكلام، كأنه قيل : فإن دمتم على ذلك فإن مصيركم إلى النار، والأوّل أولى والنظم القرآني عليه أدلّ.
وذلك كما يقال لمن يسعى في مخالفة السلطان : اصنع ما شئت من المخالفة، فإن مصيرك إلى السيف.


الصفحة التالية
Icon