وقرأ ابن عباس، والضحاك، والحسن، وقتادة " من كل " بتنوين كلّ، وعلى هذه القراءة يجوز أن تكون "ما" نافية، أي : آتاكم من جميع ذلك حال كونكم غير سائلين له، ويجوز أن تكون موصولة أي : آتاكم من كل شيء الذي سألتموه ﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا ﴾ أي وإن تتعرّضوا لتعداد نعم الله التي أنعم بها عليكم إجمالاً فضلاً عن التفصيل لا تطيقوا إحصاءها بوجه من الوجوه، ولا تقوموا بحصرها على حال من الأحوال، وأصل الإحصاء : أن الحاسب إذا بلغ عقداً معيناً من عقود الأعداد، وضع حصاة ليحفظه بها، ومعلوم أنه لو رام فرد من أفراد العباد أن يحصي ما أنعم الله به عليه في خلق عضو من أعضائه، أو حاسة من حواسه لم يقدر على ذلك قط، ولا أمكنه أصلاً، فكيف بما عدا ذلك من النعم في جميع ما خلقه الله في بدنه، فكيف بما عدا ذلك من النعم الواصلة إليه في كل وقت على تنوعها، واختلاف أجناسها، اللهم إنا نشكرك على كلّ نعمة أنعمت بها علينا مما لا يعلمه إلاّ أنت، ومما علمناه شكراً لا يحيط به حصر، ولا يحصره عد، وعدد ما شكرك الشاكرون بكل لسان في كل زمان ﴿ إِنَّ الإنسان لَظَلُومٌ ﴾ لنفسه بإغفاله لشكر نعم الله عليه، وظاهره شمول كل إنسان، وقال الزجاج : إن الإنسان اسم جنس يقصد به الكافر خاصة كما قال :
﴿ إِنَّ الإنسان لَفِى خُسْرٍ ﴾ [ العصر : ٢ ].
﴿ كَفَّارٌ ﴾ أي : شديد كفران نعم الله عليه جاحد لها، غير شاكر لله سبحانه عليها، كما ينبغي ويجب عليه.
وقد أخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، والبخاري، والنسائي، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس في قوله :﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين بَدَّلُواْ نِعْمَةَ الله كُفْرًا ﴾ قال : هم كفار أهل مكة.


الصفحة التالية
Icon