ومن عجائب إنباءات القرآن أن الحق سبحانه حينما تكلم عن الريح التي تُسيِّر الفلك والسفن ؛ قال الشكليون والسطحيون " لم نعد نُسيِّر السفن بالرياح بل نُسيِّرها بالطاقة ".
ونقول : فلنقرأ قوله الحق :﴿ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ... ﴾ [ الأنفال : ٤٦ ].
و﴿ رِيحُكُمْ ﴾ تعني : قوتكم وطاقتكم ؛ فالمراد بالريح القوة المطلقة ؛ سواء جاءت من هواء، أو من بخار، أو من ماء.
وهذه الآية - التي نحن بصدد خواطرنا عنها - نزلت بعد أن أعلمنا الحق سبحانه بقصة السعداء من المؤمنين ؛ والأشقياء الكافرين ؛ فكانت تلك الآية بمثابة التكريم للمؤمنين الذين قدروا نعمة الله هذه ؛ فلمَّا علموا بها آمنوا به سبحانه.
وكرمتهم هذه الآية لصفاء فطرتهم التي لم تُضبَّب، وتكريم للعقل الذي فكّر في الكون، ونظر فيه نظرة اعتبار وتدبُّر ليستنتج من ظواهر الكون أن هناك إلهاً خالقاً حكيماً.
وفي الآية تقريع للكافر الذي استقبل هذه النعم، ولم يسمع من أحد أنه خلقها له ؛ ولم يخلقها لنفسه، ومع ذلك يكابر ويعاند ويكفر بربِّ هذه النعم.
وأول تلك النعم خَلْق السماوات والأرض ؛ ثم إذا نظرتَ لبقية النعم فستجدها قد جاءتْ بعد خَلْق السماوات والأرض ؛ وشيء من تلك النعم مُتَّصل بالسماء ؛ مثل السحاب، وشيء متصل بالأرض مثل الثمرات التي تخرجها.
إذن : فالاستقامة الأسلوبية موجودة بين النعمة الأولى وبين النعمة الثانية.
ثم قال بعد ذلك :
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمُ الفلك لِتَجْرِيَ فِي البحر بِأَمْرِهِ... ﴾ [ إبراهيم : ٣٢ ].
فما هي المناسبة التي جعلتْ هذا الأمر يأتي بعد هذين الأمرين؟ لأن الفُلْك طريقها هو البحار ومسارها في الماء.