وقد قال الحق سبحانه أنه خلق السماوات والأرض. ومدلول الأرض ينصرف على اليابسة كما ينصرف على المائية، ومن العجيب أن المائية على سطح الكرة الأرضية تساوي ثلاثة أميال اليابسة ؛ ورُقْعة الماء بذلك تكون أوسعَ من رقعة التراب في الأرض.
وما دام الحق سبحانه قد قال إنه أخرج من الأرض ثمراً هي رِزْق لنا، فلا بُدَّ من وجود علاقة ما بين ذلك وتلك، فإذا كانت البحار تأخذ ثلاثة أرباع المساحة من الأرض ؛ فلا بُدَّ أن يكون فيها للإنسان شيء.
وقد شرح الحق سبحانه ذلك في آيات أخرى ؛ وأوضح أنه سخَّر البحر لنأكل منه لحماً طرياً ؛ وتلك مُقوِّمات حياة، ونستخرج منه حلية نلبسها ؛ وذلك من تَرِف الحياة.
ونرى الفلك مواخر فيه لنبتغي من فضله سبحانه.
وبذلك يكون هناك خيرات أخرى غير السمك والحلي ؛ ولكنها جاءت بالإجمال لا بالتفصيل ؛ فربما لم يكُنِ الناس قادرين في عصر نزول القرآن على أنْ يفهموا ويعرفوا كل ما في البحار من خيرات ؛ ولا تزال الأبحاثُ العلمية تكشف لنا المزيدَ من خيرات البحار.
وحين نتأمل الآن خيرات البحار نتعجب من جمال المخلوقات التي فيه.
إذن : فقوله :﴿ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ... ﴾ [ الإسراء : ٦٦ ].
هو قَوْل إجمالي يُلخِّص وجود أشياء أخرى غير الأسماك وغير الزينة من اللؤلؤ والمرجان وغيرها، ونحن حين نرى مخلوقاتِ أعماق البحار نتعجَّب من ذلك الخَلْق أكثر مما نتعجَّب من الخَلْق الذي على اليابسة، ومن خَلْق ما في السماء.
وهكذا يكون قوله الحق :﴿ لِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ... ﴾ [ الإسراء : ٦٦ ].
من آيات الإجمال التي تُفصلِّها آيات الكون ؛ فبعضٌ من الآيات القرآنية تُفسرها الآيات الكونية، ذلك أن الحق سبحانه لو أوضح كل التفاصيل لَمَا صدَّق الناس - على عهد نزول القرآن - ذلك.


الصفحة التالية
Icon