ولكن الحق سبحانه أراد أن يُعلمنا أن القمر وهو الآية الليلية ؛ ويسطع في الليل ؛ والليل مخلوق للسكون ؛ لكن هذا السكون ليس سبباً لوجود الإنسان على الأرض ؛ بل السبب هو أن يتحرك الإنسان ويستعمر الأرض ويكِدّ ويكدح فيها.
لذلك جعل استهلال الشمس أولاً والقمر يستمد ضَوْءَه منها ؛ ثم جاء بخبر الليل وخبر النهار، فكأن الله قد اكتنفَ هذه الآية بنوريْن.
النور الأول : من الشمس. والنور الثاني : من القمر، كي يعلَم الإنسانُ أن حياته مُغلفة تغليفاً يتيح له الحركة على الأرض، فلا تظننّ أيها الإنسانُ أن الأصل هو النوم! ذلك أنه سبحانه قد خلق النوم لترتاح ؛ ثم تصحو لتكدح.
ونلحظ أن كلمة " التسخير " تأتي للأشياء الجوهرية، وتأتي للمُسخَّرات أيضاً، فالحيوان مُسخَّر لنا، وكذلك النبات والسماء مُسخَّرة بما فيها لنا، أما الليل والنهار فهما نتيجتان لجواهر ؛ هما الشمس والقمر ؛ والليل والنهار مُسبَّبان عن شيئين مُباشرين هما : الشمس والقمر.
والتسخير - كما نعلم - هو منع الاختيار. وإذا ما سَخَّر الحق سبحانه شيئاً فلنعلم أنه مُنضبط ولا يتأتّى فيه اختلال، ولكن الكائن غير المُسخّر هو الذي يتأتى فيه الاختلال ؛ ذلك أنه قد يسير على جَادَّة الصواب، أو قد يُخطيء.
وفي مسألة التسخير والاختيار تَعِب الفلاسفة في دراستها ؛ وذهبت المذاهب الفلسفية - وخصوصاً في ألمانيا - إلى مذهبين اثنين ظاهرهما التعارض ؛ ولكنهما يسيرانِ إلى غايةٍ واحدة وهي تبرير الإلحاد.
وكان من المقبول أن يكونَ مذهبٌ يُبرر الإلحاد، وأنْ يبررَ الآخرُ الإيمانَ، ولكن شاء فلاسفة المذهبين أنْ يُبرروا الإلحاد.
وقال فلاسفة أحد المذهبين : أنتم تقولون إن الكون تُديره قوة قادرة حكيمة ؛ وأن كُلّ ما فيه منضبط بتصرفات محسوبة ودقيقة.


الصفحة التالية
Icon