ولكن الواقع يقول : إن هناك بعضاً من المخالفات التي نراها في الكائنات، والمثل هو تلك الشذوذات التي في الإنسان - على سبيل المثال - فهناك القصير أكثر من اللازم ؛ وهناك الطويل أكثر من اللازم ؛ وهناك مَنْ يولد بعين واحدة ؛ وهناك مَنْ يولد بذراع عاجز ؛ ولو أن القوة التي تدير الكون حكيمة لَمَا ظهرتْ أمثال تلك الشذوذات.
ونرد على صاحب تلك النظرية قائلين : وإذا لم يكُنْ هناك إله، أتستطيع أن تقول نال الحكمة من وراء وجود تلك الشذوذات؟ فأنت تدفع الحكمة عن الخالق الذي نؤمن به ؛ فهل تستطيع أنت إثباتَ الحكمة لغيره؟ طبعاً لن يستطيع أنْ يردَّ عليك ؛ لأن كلامه مردود.
ثم نأتي للمدرسة المقابلة التي تقول : إن النظام الموجود بالكون يدل على أنه لا يوجد له خالق ؛ فهو نظام ثابت آليّ ؛ ولا يوجد إله قادر على أن يقلب آلية هذا الكون.
وهكذا كانت هاتان المدرستان مختلفتين ؛ ومتعارضتين ؛ ولكنهما يؤديان إلى الإلحاد.
ونرد على المدرستين قائلين : يا من تأخذ ثبات النظام دليلاً على وجود إله ؛ فهذا الثبات موجود في الكون الأعلى. ويا من تأخذ الشذوذ دليلاً على وجود خالق ؛ فهو موجود في الكائنات الأدنى ؛ ولو حدث الشذوذ في الكائنات الأعلى لَفسدت السماوات والأرض.
وقد شاء الحق سبحانه أن يوجد الشذوذ لوجه في الأفراد ؛ فواحد يكون شاذاً ؛ والباقي الغالب يكون سليماً.
وهكذا يكون الشذوذ في الأفراد غيرَ مانع لقضية وجود خالق أعلى، وإذا أردت ثبات النظام فانظر إلى الكون الأعلى ؛ كي تعلم أنه لا يوجد للإنسان مَدْخل في هذا الأمر.
وهكذا نجد أن الحق سبحانه قد سخّر لنا الليل والنهار ؛ وهما من الأعراض الناتجة عن تسخير الشمس والقمر ؛ وكلاً من الشمس والقمر دائبين، يمشي كل منهما في حركته مشياً لا تنقطع فيه رتابة العادة. ونضبط أوقاتنا على هذا النظام الرتيب الدقيق، فنحدد - على سبيل المثال - أوائل الفصول ومواسم الزراعة ؛ ومواقيت الصلاة.


الصفحة التالية
Icon