نعم، أعطانا الحق سبحانه مما نسأل وقبل أن نسأل، وأعدَّ الكون لنَا من قبل أنْ نوجد. إذن : فسبحانه قد أعطانا من قبل أنْ نسألَ ؛ وسبقت النعمة وجود آدم عليه السلام، واستقبل الكونُ آدم، وهو مُعَدٌّ لاستقباله.
وإذا نظرتَ للفرد مِنّا ستجد أن نِعَم الله عليه قد سبقتْ من قبل أن نعرف كيف نسأله، والمثل هو الجنين في بطن أمه.
وهنا قال الحق سبحانه :
﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ... ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ].
يعني : أنه قد أعطاك ما تسأله وما لم تسأله، نطقت به أو لم تنطق، ولو بحديث النفس أو خواطر خافية، وأنك قد تقترح وتطلب شيئاً فهو يعطيه لك.
وقد يسأل البعض من باب الرغبة في التحدي - ولله المثل الأعلى - نجد بعض البشر مِمَّنْ أفاء الله عليهم بجزيل نعمه ؛ ويقول الواحد منهم : قُلْ لي ماذا تطلب؟
وقد حدث معي ذلك ونحن في ضيافة واحد مِمَّنْ أكرمهم الله بكريم عطائه، وكنا في رحلة صحراوية بالمملكة العربية السعودية، وقال لي : أطلب أي شيء وستجده بإذن الله حاضراً. وفكرتُ في أن أطلب ما لا يمكن أن يوجدَ معه، وقلت : أريد خيطاً وإبرة، فما كان ردّه إلا " وهل تريدها فتلة بيضاء أم حمراء؟ ".
وإذا كان هذا يحدث من البشر ؛ فما بالُنَا بقدرة الله على العطاء؟ ومن حكمة الله سبحانه أنه قال :
﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ... ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ].
ذلك أن وراء كل عطاءٍ حكمةً، ووراء كل مَنْع حكمة أيضاً، فالمنع من الله عين العطاء، فالحقّ سبحانه مُنزَّه عن أن يكون مُوظّفاً عندك، كما أن الحق سبحانه قد قال :﴿ وَيَدْعُ الإنسان بالشر دُعَآءَهُ بالخير... ﴾ [ الإسراء : ١١ ].
ولذلك قال :
﴿ وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ... ﴾ [ إبراهيم : ٣٤ ].