و " ما " يجوز فيها أن تكونَ موصولةً اسمية أو حرفية أو نكرةً موصوفةً، والمصدرُ واقعٌ موقعَ المفعولِ، أي : مَسْؤولكم. فإن كانت مصدريَّةً فالضميرُ في " سَأَلْتموه " عائدٌ على الله تعالى، وإن كانتْ موصولةً أو موصوفةً كان عائداً عليها، ولا يجوزُ أن يكون عائداً على اللهِ تعالى، وعائدُ الموصولِ أو الموصوفِ محذوفٌ ؛ لأنه : إمَّا أن يُقَدَّر متصلاً : سألتموهوه أو منفصلاً : سألتموه إياه، وكلاهما لا يجوز فيه الحَذْفُ لِما قدَّمْتُ لك أولَ البقرةِ في قوله ﴿ وَممَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ﴾.
وقرأ ابنُ عباس ومحمد بن علي وجعفر بن محمد والحسن والضحّاك وعمرو بن فائد وقتادة وسلام ويعقوب ونافع في روايةٍ، ﴿ مِّن كُلِّ ﴾ منونةً. وفي " ما " على هذه القراءة وجهان، أحدُهما : أنها نافية، وبه بدأ الزمخشري فقال :" وما سأَلْتُموه نفيٌ، ومحلُّه النصبُ على الحال، أي : آتاكم من جميعِ ذلك غيرَ سائِلية ". قلت : ويكون المفعولُ الثاني هو الجارِّ مِنْ قوله " مِنْ كُلٍ "، كقوله :﴿ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [ النمل : ٢٣ ].
والثاني : أنها موصولةٌ بمعنى الذي، هي المفعول الثاني لآتاكم. وهذا التخريجُ الثاني أَوْلَى، لأنَّ في الأول منافاةً في الظاهر لقراءةِ العامَّة. قال الشيخ :" ولما أحسَّ الزمخشريُّ بظهورِ التنافي بين هذه القراءةِ وبين تلك قال :" ويجوز أن تكونَ " ما " موصولةً على : وآتاكم مِنْ كُلِّ ذلك ما احتجتم إليه، ولم تصلُحْ أحوالُكُم ولا معائِشُكم إلا به، فكأنكم طلبتموه أو سألتموه بلسانِ الحال، فتأوَّل " سَأَلْتموه " بمعنى ما احتجتم إليه ".