الضعفاء والمستكبرين جميعاً نظيره في وصل كلام إنسان بكلام إنسان آخر، قوله :﴿ ذلك ليعلم أني لم أخنه ﴾ ﴿ يوسف : ٥٢ ] والمحيص المنجي والمهرب مصدر كالمغيب والمحيص، أو مكان كالمبيت والمضيف.
ولما ذكر مناظرة شياطين الإنس أتبعها مناظرة شيطان الجن. ومعنى { قضي الأمر ﴾ قطع وفرغ منه وذلك حين انقضاء المحاسبة. والأكثرون على أنه بعد الحساب ودخول الأشقياء النار والسعداء الجنة. وعند أهل السنة هو بعد خروج الفساق من النار فليس بعد ذلك إلا الدوام في الجنة أو في النار. يروى أن الشيطان يقوم عند ذلك خطيباً في النار فيقول :﴿ إن الله وعدكم وعد الحق ﴾ وعن النبي ﷺ :" إذا جمع الله الخلق وقضى بينهم يقول الكافرون قد وجد المسلمون من يشفع لهم فمن يشفع لنا ما هو إلا إبليس هو الذي أضلنا فيأتونه ويسألونه فعند ذلك يقول هذا القول " ووعد الحق من إضافة الموصوف إلى صفته مثل " مسجد الجامع "، أو تأويله وعد اليوم الحق، أو الأمر الحق وهو البعث والجزاء على الأعمال. وفي الآية إضماران : الأول وعدكم وعد الحق فوفى لكم بما وعدكم. الثاني ووعدتكم خلاف ذلك فأخلفتكم الوعد. ووجه الإضمار الأول دلالة الحال عليه لأنهم كانوا يشاهدون وليس وراء العيان بيان، ولأن ذكر نقيضه وهو إخلاف الوعد من الشيطان يغني عنه، ووجه الثاني أيضاً مثل ذلك. ثم ذكر طريق وسوسته اعتذاراً منهم فقال :﴿ وما كان لي عليكم من سلطان ﴾ من تسلط وقهر فأقسركم على الكفر والمعاصي ﴿ إلا أن دعوتكم ﴾ قال النحويون : هذا الاستثناء منقطع لأن الدعاء ليس من جنس السطان فالمراد لكن دعائي إياكم إلى الضلالة بوسوسة، ويمكن أن يوجه الاستثناء بالاتصال لأن قدرة الإنسان على حمل الغير على عمل من الأعمال تارة تكون بالقسر وتارة بتقوية الداعية في قلبه بإلقاءه الوساوس إليه فهذا نوع من أنواع التسلط.