ثم حكى الله سبحانه عن الشيطان أنه قال :﴿ ما أنا بمصرخكم ﴾ قال ابن عباس : يريد بمعينكم ولا منقذكم. قال ابن الأعرابي : الصارخ المستغيث والمصرخ المغيث. صرخ فلان إذا استغاث. وقال واغوثاه، وأصرخته أي أغثته. وعاب النحويون على حمزة أنه قرأ :﴿ وما أنتم بمصرخيّ ﴾ لأن ياء الإضافة لا تكون إلا مفتوحة حيث قبلها ألف في نحو " عصاي " فما بالها وقبلها ياء. وحاصل ما عابوا عليه أنه لم يوجد له نظير في استعمال العرب، لكنك تعلم أن القرآن حجة على غيره. قوله :﴿ إني كفرت بما أشركتموني ﴾ إن كانت " ما " مصدرية فالمعنى إني كفرت أي أنا جاحد وما كان لي رضا بإشراككم لي في الدنيا مع الله في الطاعة وفي أن لي تدبيراً وتصرفاً في هذا العالم، وإن كانت موصولة على ما قاله الفراء من أن " ما " في معنى " من " كقوله :" سبحان ما سخركن لنا " فالمراد إني كفرت من قبل حين أبيت السجود لآدم بالله الذي أشركتمونيه. ووجه نظم الكلام على هذا التفسير أن إبليس كأنه يقول : لا تأثير لوسوستي في كفركم بدليل أني كفرت بالله قبل أن كفرتم، وما كان كفري بسبب وسوسة أخرى وإلا لزم التسلسل فثبت بهذا أن سبب الوقوع في الكفر شيء آخر سوى الوسوسة، وهذا التقرير يناسب أصول الأشاعرة.


الصفحة التالية
Icon