فصل
قال الفخر :
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ ﴾
اعلم أنه لما أطال الكلام في وصف أحوال السعداء وأحوال الأشقياء، وكان العمدة العظمى والمنزلة الكبرى في حصول السعادات معرفة الله تعالى بذاته وبصفاته، وفي حصول الشقاوة فقدان هذه المعرفة، لا جرم ختم الله تعالى وصف أحوال السعداء والأشقياء بالدلائل الدالة على وجود الصانع وكمال علمه وقدرته، وذكر ههنا عشرة أنواع من الدلائل.
أولها : خلق السموات.
وثانيها : خلق الأرض، وإليهما الإشارة بقوله تعالى :﴿الله الذى خَلَقَ السموات والأرض ﴾.
وثالثها :﴿وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ ﴾.
ورابعها : قوله :﴿وَسَخَّرَ لَّكُمُ الفلك لِتَجْرِىَ فِى البحر بِأَمْرِهِ﴾ وخامسها : قوله :﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الأنهار ﴾.
وسادسها وسابعها : قوله :﴿وَسَخَّر لَكُمُ الشمس والقمر دآئِبَينِ ﴾.
وثامنها وتاسعها : قوله :﴿وَسَخَّر لَكُمُ الليل والنهار ﴾.
وعاشرها : قوله :﴿وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ﴾ وهذه الدلائل العشرة قد مر ذكرها في هذا الكتاب وتقريرها وتفسيرها مراراً وأطواراً ولا بأس بأن نذكر ههنا بعض الفوائد.
فاعلم أن قوله تعالى :﴿الله﴾ مبتدأ، وقوله :﴿الذى خَلَقَ﴾ خبره.
ثم إنه تعالى بدأ بذكر خلق السموات والأرض، وقد ذكرنا في هذا الكتاب أن السماء والأرض من كم وجه تدل على وجود الصانع الحكيم، وإنما بدأ بذكرهما ههنا لأنهما هما الأصلان اللذان يتفرع عليهما سائر الأدلة المذكورة بعد ذلك فإنه قال بعده :﴿وَأَنزَلَ مِنَ السمآء مآءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثمرات رِزْقاً لَّكُمْ﴾ وفيه مباحث :