البحث الثالث : في المناسبة بين قوله :﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَىْءٍ فَى الأرض وَلاَ فِى السمآء﴾ وبين قوله :﴿الحمد للَّهِ الذى وَهَبَ لِى عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق﴾ وذلك هو كأنه كان في قلبه أن يطلب من الله إعانتهما وإعانة ذريتهما بعد موته ولكنه لم يصرح بهذا المطلوب، بل قال :﴿رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِى وَمَا نُعْلِنُ﴾ أي إنك تعلم ما في قلوبنا وضمائرنا، ثم قال :﴿الحمد للَّهِ الذى وَهَبَ لِى عَلَى الكبر إسماعيل وإسحاق﴾ وذلك يدل ظاهراً على أنهما يبقيان بعد موته وأنه مشغول القلب بسببهما فكان هذا دعاء لهما بالخير والمعونة بعد موته على سبيل الرمز والتعريض وذلك يدل على أن الاشتغال بالثناء عند الحاجة إلى الدعاء أفضل من الدعاء قال عليه السلام حاكياً عن ربه أنه قال :" من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " ثم قال :﴿إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ الدعآء ﴾.
واعلم أنه لما ذكر الدعاء على سبيل الرمز والتعريض لا على وجه الإيضاح والتصريح قال :﴿إِنَّ رَبّى لَسَمِيعُ الدعاء﴾ أي هو عالم بالمقصود سواء صرحت به أو لم أصرح وقوله : سميع الدعاء.
من قولك سمع الملك كلام فلان إذا اعتد به وقبله ومنه سمع الله لمن حمده.
المطلوب الخامس : قوله :﴿رَبّ اجعلنى مُقِيمَ الصلاة وَمِن ذُرّيَتِى﴾ وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
احتج أصحابنا بهذا الآية على أن أفعال العبد مخلوقة لله تعالى فقالوا إن قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام :﴿واجنبنى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام﴾ يدل على أن ترك المنهيات لا يحصل إلا من الله وقوله :﴿رَبّ اجعلنى مُقِيمَ الصلاة وَمِن ذُرّيَتِى﴾ يدل على أن فعل المأمورات لا يحصل إلا من الله، وذلك تصريح بأن إبراهيم عليه السلام كان مصراً على أن الكل من الله.
المسألة الثانية :