وإذا ثبت هذا فنقول : تلك المعصية إما أن تكون من الصغائر أو من الكبائر بعد التوبة أو من الكبائر قبل التوبة، والأول والثاني باطلان لأن قوله :﴿وَمَنْ عَصَانِي﴾ اللفظ فيه مطلق فتخصيصه بالصغيرة عدول عن الظاهر، وأيضاً فالصغائر والكبائر بعد التوبة واجبة الغفران عند الخصوم فلا يمكن حمل اللفظ عليه، فثبت أن هذه الآية شفاعة في إسقاط العقاب عن أهل الكبائر قبل التوبة، وإذا ثبت حصول هذه الشفاعة في حق إبراهيم عليه السلام ثبت حصولها في حق محمد ﷺ لوجوه : الأول : أنه لا قائل بالفرق.
والثاني : وهو أن هذا المنصب أعلى المناصب فلو حصل لإبراهيم عليه السلام مع أنه غير حاصل لمحمد ﷺ لكان ذلك نقصاناً في حق محمد عليه السلام.
والثالث : أن محمداً ﷺ مأمور بالاقتداء بإبراهيم عليه السلام لقوله تعالى :
﴿أولئك الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده﴾ [ الأنعام : ٩٠ ] وقوله :﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتبع مِلَّةَ إبراهيم حَنِيفًا﴾ فهذا وجه قريب في إثبات الشفاعة لمحمد ﷺ وفي إسقاط العقاب عن أصحاب الكبائر، والله أعلم.
إذا عرفت هذا فلنذكر أقوال المفسرين : قال السدي معناه : ومن عصاني ثم تاب، وقيل : إن هذا الدعاء إنما كان قبل أن يعلم أن الله تعالى لا يغفر الشرك، وقيل من عصاني بإقامته على الكفر فإنك غفور رحيم، يعني أنك قادر على أن تغفر له وترحمه بأن تنقله عن الكفر إلى الإسلام، وقيل المراد من هذه المغفرة أن لا يعاجلهم بالعقاب بل يمهلهم حتى يتوبوا أو يكون المراد أن لا تعجل اخترامهم فتفوتهم التوبة.
واعلم أن هذه الوجوه ضعيفة.
أما الأول : وهو حمل هذه الشفاعة على المعصية بشرط التوبة فقد أبطلناه.


الصفحة التالية
Icon