" رحم الله أم إسمعيل لولا أنها عجلت لكانت زمزم عيناً معيناً " ثم إن إبراهيم عليه السلام عاد بعد كبر إسماعيل واشتغل هو مع إسماعيل برفع قواعد البيت.
قال القاضي : أكثر الأمور المذكورة في هذه الحكاية بعيدة لأنه لا يجوز لإبراهيم عليه السلام أن ينقل ولده إلى حيث لا طعام ولا ماء مع أنه كان يمكنه أن ينقلهما إلى بلدة أخرى من بلاد الشام لأجل قول سارة إلا إذا قلنا : إن الله أعلمه أنه يحصل هناك ماء وطعام، وأقول : أما ظهور ماء زمزم فيحتمل أن يكون إرهاصاً لإسماعيل عليه السلام، لأن ذلك عندنا جائز خلافاً للمعتزلة وعند المعتزلة أنه معجزة لإبراهيم عليه السلام.
ثم قال :﴿رَّبَّنَا لِيُقيمُواْ الصَّلاةَ﴾ واللام متعلقة بأسكنت أي أسكنت قوماً من ذريتي، وهم إسماعيل وأولاده بهذا الوادي الذي لا زرع فيه ليقيموا الصلاة.
ثم قال :﴿فاجعل أَفْئِدَةً مّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ﴾ وفيه مباحث :
البحث الأول : قال الأصمعي هوى يهوي هوياً بالفتح إذا سقط من علو إلى سفل.
وقيل :﴿تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ تريدهم، وقيل : تسرع إليهم.
وقيل : تنحط إليهم وتنحدر إليهم وتنزل، يقال : هوى الحجر من رأس الجبل يهوي إذا انحدر وانصب، وهوى الرجل إذا انحدر من رأس الجبل.
البحث الثاني : أن هذا الدعاء جامع للدين والدنيا.
أما الدين فلأنه يدخل فيه ميل الناس إلى الذهاب إلى تلك البلدة بسبب النسك والطاعة لله تعالى.
وأما الدنيا : فلأنه يدخل فيه ميل الناس إلى نقل المعاشات إليهم بسبب التجارات، فلأجل هذا الميل يتسع عيشهم، ويكثر طعامهم ولباسهم.
البحث الثالث : كلمة ﴿مِنْ﴾ في قوله :﴿فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تَهْوِى إِلَيْهِمْ﴾ تفيد التبعيض، والمعنى : فاجعل أفئدة بعض الناس مائلة إليهم.
قال مجاهد : لو قال أفئدة الناس لازدحمت عليه فارس والروم والترك والهند.