وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظالمون ﴾
وهذا تسلية للنبي ﷺ بعد أن أعجبه من أفعال المشركين ومخالفتهم دين إبراهيم ؛ أي اصبر كما صبر إبراهيم، وأَعْلِم المشركين أن تأخير العذاب ليس للرضا بأفعالهم، بل سنَّة الله إمهال العصاة مدة.
قال ميمون بن مِهْران : هذا وعيد للظالم، وتعزية للمظلوم.
﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ ﴾ يعني مشركي مكة يمهلهم ويؤخر عذابهم.
وقراءة العامة "يُؤَخِّرُهُمْ" بالياء واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله :"وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ".
وقرأ الحسن والسُّلَمي وروي عن أبي عمرو أيضاً "نُؤَخِّرُهُمْ" بالنون للتعظيم.
﴿ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار ﴾ أي لا تغمض من هول ما تراه في ذلك اليوم، قاله الفراء.
يقال : شَخَص الرجلُ بَصرَه وشَخَص البصرُ نفسُه أي سَمَا وطَمَح من هول مَا يرى.
قال ابن عباس : تَشخص أبصار الخلائق يومئذ إلى الهواء لشدة الحيرة فلا يَرْمَضُون.
﴿ مُهْطِعِينَ ﴾ أي مسرعين ؛ قاله الحسن وقَتَادة وسعيد بن جبير ؛ مأخوذ من أهطع يُهطع إهطاعاً إذا أسرع.
ومنه قوله تعالى :﴿ مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع ﴾ [ القمر : ٨ ] أي مسرعين.
قال الشاعر :
بدجْلة دارُهُمْ ولقد أرَاهُمْ...
بدجْلةَ مُهطِعِينَ إلى السَّماعِ
وقيل : المهطع الذي ينظر في ذل وخشوع ؛ أي ناظرين من غير أن يَطْرفوا ؛ قاله ابن عباس، وقال مجاهد والضحّاك :"مُهْطِعِينَ" أي مديمي النظر.
وقال النحاس : والمعروف في اللغة أن يقال : أهطع إذا أسرع ؛ قال أبو عبيد : وقد يكون الوجهان جميعاً يعني الإسراع مع إدامة النظر.
وقال ابن زيد : المهطع الذي لا يرفع رأسه.
﴿ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ ﴾ أي رافعي رؤوسهم ينظرون في ذلّ.
وإقناع الرأس رفعه ؛ قاله ابن عباس ومجاهد.


الصفحة التالية
Icon