الصفة الثالثة : قوله تعالى :﴿وتغشى وُجُوهَهُمْ النار﴾ ونظيره قوله تعالى :﴿أَفَمَن يَتَّقِي بِوَجْهِهِ سُوء العذاب يَوْمَ القيامة﴾ [ الزمر : ٢٤ ] وقوله :﴿يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِى النار على وُجُوهِهِمْ﴾ [ القمر : ٤٨ ].
واعلم أن موضع المعرفة والنكرة والعلم والجهل هو القلب، وموضع الفكر والوهم والخيال هو الرأس.
وأثر هذه الأحوال إنما تظهر في الوجه، فلهذا السبب خص الله تعالى هذين العضوين بظهور آثار العقاب فيهما فقال في القلب :﴿نَارُ الله الموقدة * التى تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة﴾ [ الهمزة : ٦، ٧ ] وقال في الوجه :﴿وتغشى وُجُوهَهُمْ النار﴾ بمعنى تتغشى، ولما ذكر تعالى هذه الصفات الثلاثة قال :﴿لِيَجْزِىَ الله كُلَّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ﴾ قال الواحدي : المراد منه أنفس الكفار لأن ما سبق ذكره لا يليق أن يكون جزاء لأهل الإيمان، وأقول يمكن إجراء اللفظ على عمومه، لأن لفظ الآية يدل على أنه تعالى يجزي كل شخص بما يليق بعمله وكسبه ولما كان كسب هؤلاء الكفار الكفر والمعصية، كان جزاؤهم هو هذا العقاب المذكور، ولما كان كسب المؤمنين الأيمان والطاعة، كان اللائق بهم هو الثواب وأيضاً أنه تعالى لما عاقب المجرمين بجرمهم فلأن يثيب المطيعين على طاعتهم كان أولى.
ثم قال تعالى :﴿إِنَّ الله سَرِيعُ الحساب﴾ والمراد أنه تعالى لا يظلمهم ولا يزيد على عقابهم الذي يستحقونه.
وحظ العقل منه أن الأخلاق الظلمانية هي المبادي لحصول الآلام الروحانية وحصول تلك الأخلاق في النفس على قدر صدور تلك الأعمال منهم في الحياة الدنيا، فإن الملكات النفسانية إنما تحصل في جوهر النفس بسبب الأفعال المتكررة، وعلى هذا التقدير فتلك الآلام تتفاوت بحسب تلك الأفعال في كثرتها وقلتها وشدتها وضعفها وذلك يشبه الحساب.