ولهذا فإنه تعالى يعطي كلا ما يناسبه كي لا يبغي الفقير ولا يكفر الغني المترتب على الحكمة فقرهم وغناهم، وما قيل إن المراد بالخزائن هنا المطر لأنه سبب الأرزاق لجميع المخلوقات ينفيه لفظ الآية، والمطر داخل فيه لأنه مما يحتاجه الخلق، وقد ضرب اللّه الخزائن مثلا لاقتداره على كل مقدور، وتطلق الخزانة على الصّندوق الحديدي الذي يخزن فيه الذهب والفضة وغيرها، وعلى الخزانة الخشبية التي تحفظ فيها الألبسة وغيرها، قال تعالى "وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ" حوامل بالسحاب ضد العقيمة لأنها تحمل السحاب في جوفها من بخار الماء ثم تدرّه كما تدر
اللقحة ثم تمطر، وهو معنى قوله تعالى "فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ" بأن جعلناه لكم ولأنعامكم وأراضيكم، ويدخل فيه جميع مخلوقاته سقيا من نتاج الرياح المذكورة "وَما أَنْتُمْ لَهُ" لهذا الماء أيها الناس "بِخازِنِينَ ٢٢" في ذلك الفضاء الواسع بل نحن نخزنه فيه ونمنعه من الهبوط إلا على المكان الذي نريده، وفي الزمان الذي نشاؤه، وبالقدر الذي خصصناه، ولو لا إمساك اللّه إياه لهبط كما ارتفع، لأن الماء ثقيل ومن طبع الثقيل الهبوط إلى الأسفل، وهذا هو معنى خزنه وادخاره لوقت الحاجة، وهذا من معجزات القرآن العظيم، لأنه يوم نزوله ما كان بشر يعلم أن الرياح تهب حبالى من بخار المياه، وتلد السحاب في جو السماء، وتسقينا من نتاجها الذي تخزنه يد القدرة الإلهية.
قال ابن عباس : لواقح للثمر والنبات، فتكون كالفحل.
ولم يأت لفظ الرياح في القرآن إلا في الخير، ولا لفظ الريح إلا في الشر حالة الإطلاق، ولكن إذا قيدت تتبع قيدها، قال تعالى (وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ) الآية ٢٢ من سورة يونس المارة، يدل على هذا ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم كان إذا عصفت الريح قال :