قال جل جلاله مبينا جزاءه الدنيوي على مخالفته هذه واحتجاجه الواهي ومقابلة عظمة ربه بما فاه به على رؤوس الأشهاد وبيّن العلّة في ذلك بقوله عزّ قوله "فَإِنَّكَ" بامتناعك هذا "رَجِيمٌ ٣٤" طريد من الرحمة والكرامة بعيد من العطف واللطف "و أنّ عليك اللّعنة" عقوبة لك في الدنيا مني ومن خلقي مستمرة "إِلى يَوْمِ الدِّينِ ٣٥" يوم الجزاء الذي يكون عليك فيه العذاب المهين الدائم، ولم يجعل اللّه حدّ ابعاده عن فيض رحمته بضرب هذا الأجل كما يفهمه البعض من معنى إلى النائية، بل جعله غاية في البعد لأنه أي يوم القيامة أبعد ما يضرب الناس المثل في كلامهم إليه من الآجال البعيدة لا أنها أي اللعنة تنقطع عنه بعد ذلك اليوم، كلّا بل تكون في الدنيا مستمرة بلا عذاب حسّي من اللّه والناس أجمعين، وفي الآخرة دائمة عليه أيضا مع العذاب الأكبر الباقي، ولما عرف الخبيث أن سقط في يده ولم يبق له بدّ من تلافي عصيانه لربه ولا أمل في فيض رحمته، أراد بحسب طويته النجسة أن يتمادى في الضلال والإضلال "قالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ٣٦" أي كافة مخلوقاتك، لأنه عارف بالبعث بعد الموت، وأنه لا موت بعد البعث، يقصد أن لا يموت أبدا، فينجو من العذاب الأخروي، لأنه إذا بقي يوم البعث يكون حاله حال الخلق بعد البعث لا يموتون أبدا، لأن هذه الحياة حياة موقته مهما طال أجلها وتلك حياة دائمة ما بعدها إلا الخلود في الجنة رزقنا اللّه إياها، أو الخلود في النار أجارنا اللّه منها.


الصفحة التالية
Icon