قوله تعالى "الَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ ٩١" جمع عضضة تقول عضت الشيء إذا فرقته، وقيل جمع عضة وهي الكذب والبهتان والسحر أي جعلوه فرقا واجزاء، روى البخاري عن ابن عباس في هذه الآية قال هم اليهود والنصارى جزّءوه أجزاء آمنوا ببعض وكفروا ببعض، قال تعالى "فَوَ رَبِّكَ" يا حبيبي "لَنَسْئَلَنَّهُمْ" أي هؤلاء المتجاسرين على الكفر بالقرآن الذين يصدقون ببعضه ويكفرون ببعضه "أَجْمَعِينَ ٩٢ عَمَّا كانُوا يَعْمَلُونَ ٩٣" في هذه الدنيا من هذا وغيره من جميع ما يقولونه فيك وفيّ وفي القرآن، كما أنا نسألهم عما كانوا يقولون في الكتب الأخرى، قال ابن عباس لا يقول اللّه لهم هل عملتم هذا لانه أعلم به منهم بل يقول لهم لم عملتم، وقد قدمنا أن القيامة أحوالا ومواقف مختلفة متباينة منها ما يسأل فيها ويجاوب، ومنها ما يحاجج، ومنها ما لا سؤال ولا جواب، ومنها سؤال بلا جواب، ومنها سكوت مطلق، ومنها ما يصار فيها إلى الاستنطاق من اللسان، ومنها من الأعضاء، ومنها ومنها، أجارنا اللّه منها، راجع الآية ٥٤ من سورة يونس المارة والآية ٨٢ من سورة النحل في ج ١، قال تعالى "فَاصْدَعْ" الصدع الشق والفصل قال ابن السكّيت لجرير :
هذا الخليفة فارضوا ما قضى لكم بالحق يصدع ما في قوله حيف
وعليه يكون المعنى فرق يا أكرم الرسل بين الحق والباطل ويأتي بمعنى انفطر وانفلق وظهر أي اجهر واظهر وامض "بِما تُؤْمَرُ" به من تبليغ دعوة ربك إلى خلقه وأعلن رسالتك إليهم "وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ٩٤" لا تلتفت إليهم ولا تبال بلومهم، يحكى أن بعض العرب سمع قارئا يقرأ هذه الآية فسجد،
فقيل له في ذلك فقال سجدت لبلاغتها.