قال تعالى "ذَرْهُمْ" يا أكمل الرسل "يَأْكُلُوا" كما تأكل الأنعام ويتمتعوا بحطام الدنيا البالية "وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ" بكثرة الأموال والأولاد والنعم عن الإيمان بنا ويغويهم الشيطان بالانهماك في الكفر والشهوات والإعراض عن الطاعة لك "فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ ٣" سوء صنيعهم إذا عاينوا جزاءه وذاقوا وباله، وفيه تهديد عظيم لمن أخذ حظه من الدنيا وترك نصيبه من الآخرة لأنه صدر الآية بكلمة ذرهم وهي للتهديد أيضا، فمتى يهدأ العيش لمن هو بين تهديدين تضمنا وعيدين إذا كان له قلب لين أو عين رطبة وفكر يقرّب له ما يستعبده غيرة ؟ هذا، ولما كان طول الأمل ينسى الآخرة واتباع الهوى يبعد عن الحق والعياذ باللّه وهما ليسا من أخلاق المؤمنين قال تعالى "وَما أَهْلَكْنا مِنْ" أهل "قَرْيَةٍ إِلَّا وَلَها كِتابٌ مَعْلُومٌ ٤" أجل مضروب ووقت معين لإهلاكها لا يتقدم ولا يتأخر، ولهذا قال ذرهم إذ لم تنزل آية القتال ولم يؤمر حضرة الرسول بقتالهم وقسرهم على الإيمان، وما قاله بعض المفسرين إن هذه الآية منسوخة بآية السيف لا عبرة في قوله، بل هي محكمة جاءت تقوية للقتال وتمهيدا له وتبيبنا لأسبابه، لأن من أراد أن يبطش بعدوه المخالف له وهو قوي لا يفاجئه ببطشه بل يتقدم له بالإنذار حتى إذا أيس من القبول لما يأمره به وينهاه عنه بطش به، فيكون معذورا، لأن من أنذر فقد أعذر، وهذا من هذا، قال تعالى "ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها" المحتم


الصفحة التالية
Icon