فصل
قال الفخر :
ثم قال تعالى :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون﴾
وفيه مسائل :
المسألة الأولى :
أن القوم إنما قالوا :﴿يا أيها الذي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذكر﴾ [ الحجر : ٦ ] لأجل أنهم سمعوا النبي ﷺ كان يقول :
" إن الله تعالى نزل الذكر علي " ثم إنه تعالى حقق قوله في هذه الآية فقال :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون ﴾.
فأما قوله :﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر﴾ فهذه الصيغة وإن كانت للجمع إلا أن هذا من كلام الملوك عند إظهار التعظيم فإن الواحد منهم إذا فعل فعلاً أو قال قولاً قال : إنا فعلنا كذا وقلنا كذا فكذا ههنا.
المسألة الثانية :
الضمير في قوله :﴿لَهُ لحافظون﴾ إلى ماذا يعود ؟ فيه قولان :
القول الأول : أنه عائد إلى الذكر يعني : وإنا نحفظ ذلك الذكر من التحريف والزيادة والنقصان، ونظيره قوله تعالى في صفة القرآن :﴿لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ﴾ [ فصلت : ٤٢ ] وقال :﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ الله لَوَجَدُواْ فِيهِ اختلافا كَثِيراً﴾ [ النساء : ٨٢ ].
فإن قيل : فلم اشتغلت الصحابة بجمع القرآن في المصحف وقد وعد الله تعالى بحفظه وما حفظه الله فلا خوف عليه.
والجواب : أن جمعهم للقرآن كان من أسباب حفظ الله تعالى إياه فإنه تعالى لما أن حفظه قيضهم لذلك قال أصحابنا : وفي هذه الآية دلالة قوية على كون التسمية آية من أول كل سورة لأن الله تعالى قد وعد بحفظ القرآن، والحفظ لا معنى له إلا أن يبقى مصوناً من الزيادة والنقصان، فلو لم تكن التسمية من القرآن لما كان القرآن مصوناً عن التغيير، ولما كان محفوظاً عن الزيادة ولو جاز أن يظن بالصحابة أنهم زادوا لجاز أيضاً أن يظن بهم النقصان، وذلك يوجب خروج القرآن عن كونه حجة.