وقال ابن عطية :
قوله تعالى :﴿ إنا نحن نزلنا الذكر ﴾
رد على المستخفين في قولهم :﴿ يا أيها الذي نزل عليه الذكر ﴾. وهذا كما يقول لك رجل على جهة الاستخفاف : يا عظم القدر، فتقول له - على جهة الرد والنجة : نعم أنا عظيم القدر. ثم تأخذ في قولك - فتأمله.
وقوله :﴿ وإنا له لحافظون ﴾ قالت فرقة : الضمير في ﴿ له ﴾ عائد على محمد ﷺ، أي يحفظه من أذاكم ويحوطه من مكركم وغيره، ذكر الطبري هذا القول ولم ينسبه ؛ وفي ضمن هذه العدة كان رسول الله ﷺ حتى أظهر الله به الشرع وحان أجله. وقالت فرقة - وهي الأكثر - الضمير في ﴿ له ﴾ عائد على القرآن وقاله مجاهد وقتادة، والمعنى :﴿ لحافظون ﴾ من أن يبدل أو يغير، كما جرى في سائر الكتب المنزلة، وفي آخر ورقة من البخاري عن ابن عباس : أن التبديل فيها إنما كان في التأويل وأما في اللفظ فلا ؛ وظاهر آيات القرآن أنهم بدلوا اللفظ، ووضع اليد في آية الرجم هو في معنى تبديل الألفاظ.
وقيل :﴿ لحافظون ﴾ باختزانه في صدور الرجال.
قال القاضي أبو محمد : والمعنى متقارب، وقال قتادة : هذه الآية نحو قوله تعالى :﴿ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ﴾ [ فصلت : ٤٢ ].
قال القاضي أبو محمد : وقوله تعالى :﴿ ولقد أرسلنا من قبلك ﴾ الآية، تسلية للنبي عليه السلام وعرض أسوة، أي لا يضيق صدرك يا محمد بما يفعله قومك من الاستهزاء في قولهم :﴿ يا أيها الذي نزل عليه الذكر ﴾ وغير ذلك، فقد تقدم منا إرسال الرسل في شيع الأولين، وكانت تلك سيرتهم في الاستهزاء بالرسل. و﴿ شيع ﴾ جمع شيعة، وهي الفرقة التابعة لرأس ما : مذهب أو رجل أو نحوه وهي مأخوذة من قولهم : شيعت النار : إذا استدمت وقدها بحطب أو غيره، فكأن الشيعة تصل أمر رأسها وتظهره وتمده بمعونة. وقوله :﴿ أرسلنا ﴾ يقتضي رسلاً، ثم أوجز باختصار ذكرهم لدلالة الظاهر من القول على ذلك.