وهذا كما ترى تسليةٌ لرسول الله ﷺ بأن هذه عادةُ الجهال مع الأنبياء عليهم السلام، وحيث كان الرسولُ مصحوباً بكتاب من عند الله تعالى تضمّن ذكرُ استهزائِهم بالرسول استهزاءَهم بالكتاب ولذلك قيل :﴿ كذلك ﴾ إشارةٌ إلى ما دل عليه الكلام السابقُ من إلقاء الوحي مقروناً بالاستهزاء، أي مثلَ ذلك السَّلْكِ الذي سلكناه في قلوب أولئك المستهزئين برسلهم وبما جاءوا به من الكتب ﴿ نَسْلُكُهُ ﴾ أي الذكرَ ﴿ فِى قُلُوبِ المجرمين ﴾ أي أهل مكةَ أو جنسُ المجرمين، فيدخلون فيه دخولاً أولياً، ومحلُّه النصبُ على أنه نعتٌ لمصدر محذوف أو حالٌ منه، أي نسلكه سَلْكاً مثلَ السلك أو نسلك السَّلكَ حال كونِه مثلَه أي مقروناً بالاستهزاء، غيرَ مقبول لما تقتضيه الحكمةُ فإنهم من أهل الخِذلان ليس لهم استحقاقٌ لقبول الحقِّ، وصيغةُ المضارع لكون المشبَّه به مقدماً في الوجود وهو السِّلك الواقعُ في الأمم السالفة، أو للدِلالة على استحضار الصورةِ، والسَّلْكُ إدخالُ الشيء في آخرَ، يقال : سَلكتُ الخيطَ في الإبرة والرمحَ في المطعون.
﴿ لاَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ﴾ أي بالذكر، حالٌ من ضمير نسلكه أي غيرَ مؤمَنٍ به، أو بيانٌ للجملة السابقة فلا محل لها، وقد جُعل الضميرُ للاستهزاء فيتعين البيانيةُ إلا أن يُجعل الضميرُ المجرورُ أيضاً له، على أن الباء للملابسة أي نسلك الاستهزاءَ في قلوبهم حالَ كونِهم غيرَ مؤمنين بملابسته، والحالُ إما مقدّرةٌ أو مقارنة للإيذان بأن كفرَهم مقارِنٌ للإلقاء كما في قوله تعالى :﴿ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ ﴾ ﴿ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الأولين ﴾ أي قد مضت طريقتهم التي سنها الله تعالى في إهلاكهم حين فعلوا ما فعلوا من التكذيب والاستهزاءِ، وهو استئنافٌ جيء به تكملةً للتسلية وتصريحاً بالوعيد والتهديد.