قال القاضي : هذه الروايات مبنية على أنه تعالى يخرج أصحاب الكبائر من النار، وعلى أن شفاعة الرسول مقبولة في إسقاط العقاب، وهذان الأصلان عنده مردودان، فعند هذا حمل هذا الخبر على وجه يطابق قوله ويوافق مذهبه وهو أنه تعالى يؤخر إدخال طائفة من المؤمنين الجنة بحيث يغلب على ظن هؤلاء الكفرة أنه تعالى لا يدخلهم الجنة، ثم إنه تعالى يدخلهم الجنة فيزداد غم الكفرة وحسرتهم وهناك يودون لو كانوا مسلمين، قال فبهذه الطريق تصحح هذه الأخبار، والله أعلم.
فإن قيل : إذا كان أهل القيامة قد يتمنون أمثال هذه الأحوال وجب أن يتمنى المؤمن الذي يقل ثوابه درجة المؤمن الذي يكثر ثوابه، والمتمني لما لم يجده يكون في الغصة وتألم القلب وهذا يقضي أن يكون أكثر المؤمنين في الغصة وتألم القلب.
قلنا : أحوال أهل الآخرة لا تقاس بأحوال أهل الدنيا، فالله سبحانه أرضى كل أحد بما فيه ونزع عن قلوبهم طلب الزيادات كما قال :﴿وَنَزَعْنَا مَا فِى صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ﴾ [ الحجر : ٤٧ ]، والله أعلم.
أما قوله تعالى :﴿ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الأمل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ ففيه مسائل :
المسألة الأولى :
المعنى : دع الكفار يأخذوا حظوظهم من دنياهم فتلك أخلاقهم ولا خلاق لهم في الآخرة وقوله :﴿وَيُلْهِهِمُ الأمل﴾ يقال : لهيت عن الشيء ألهي لهياً، وجاء في الحديث أن ابن الزبير كان إذا سمع صوت الرعد لهى عن حديثه.
قال الكسائي والأصمعي : كل شيء تركته فقد لهيت عنه وأنشد :
صرمت حبالك فاله عنها زينب.. ولقد أطلت عتابها لو تعتب
فقوله فاله عنها أي اتركها وأعرض عنها.
قال المفسرون : شغلهم الأمل عند الأخذ بحظهم عن الإيمان والطاعة فسوف يعلمون.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon