وقال ابن عطية :
﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ (١) ﴾
تقدم القول في الحروف المقطعة في أوائل السور. و﴿ تلك ﴾ يمكن أن تكون إشارة إلى حروف المعجم - بحسب بعض الأقوال - ويمكن أن تكون إشارة إلى الحكم والعبر ونحوها التي تضمنتها آيات التوراة والإنجيل، وعطف القرآن عليه. قال مجاهد وقتادة :﴿ الكتاب ﴾ في الآية، ما نزل من الكتب قبل القرآن، ويحتمل أن يريد ب ﴿ الكتاب ﴾ القرآن، ثم تعطف الصفة عليه.
وقرأ نافع وعاصم " ربَما " بتخفيف الباء. وقرأ الباقون بشدها، إلا أن أبا عمرو قرأها على الوجهين، وهما لغتان، وروي عن عاصم " رُبُما " بضم الراء والباء مخففة، وقرأ طلحة بن مصرف " ربتما " بزيادة تاء، وهي لغة. و﴿ ربما ﴾ للتقليل وقد تجيء شاذة للتكثير، وقال قوم : إن هذه من ذلك، ومنه : رب رفد هرقته. ومنه :
رب كأس هرقت يا ابن لؤي.... وأنكر الزجاج أن تجيء " رب " للتكثير. و" ما " التي تدخل عليها " رب " قد تكون اسماً نكرة بمنزلة شيء، وذلك إذا كان في الضمير عائد عليه، كقول الشاعر :[ الخفيف ]
ربما تكره النفوس من الأم... ر له فرجة كحل العقال
التقدير : رب شيء، وقد تكون حرفاً كافاً لرب وموطئاً لها لتدخل على الفعل إذ ليس من شأنها أن تدخل إلا على الأسماء، وذلك إذا لم يكن ثم ضمير عائد كقول الشاعر :[ جذيمة الأبرش ] [ المديد ]
ربما أوفيت في علم... ترفعن ثوبي شمالات
قال القاضي أبو محمد : وكذلك دخلت " ما " على " من " كافة، في نحو قوله : وكان الرسول ﷺ مما يحرك شفتيه. ونحو قول الشاعر :[ الطويل ]
وإنا لمما نضرب الكبش ضربة... على رأسه تلقي اللسان من الفم
قال الكسائي والفراء : الباب في " ربما " أن تدخل على الفعل الماضي، ودخلت هنا على المستقبل إذ هذه الأفعال المستقبلة من كلام الله تعالى لما كانت صادقة حاصلة ولا بد جرت مجرى الماضي الواقع.