أحدها : أنه إِذا اجتمع أهل النار في النار ومعهم مَنْ شاء الله من أهل القِبلة، قال الكفار للمسلمين : ألم تكونوا مسلمين؟ قالوا : بلى، قالوا : فما أغنى عنكم إِسلامكم وقد صرتم معنا في النار؟ قالوا : كانت لنا ذنوب فأُخذنا بها ؛ فسمع الله ما قالوا، فأمر بمن كان في النار من أهل القِبلة فأُخرجوا فلما رأى ذلك الكفار، قالوا : يا ليتنا كنا مسلمين فنُخرَج كما أُخرجوا، رواه أبو موسى الأشعري عن النبي ﷺ، وذهب إِليه ابن عباس في رواية وأنس بن مالك، ومجاهد، وعطاء، وأبو العالية، وإِبراهيم.
والثاني : أنه ما يزال الله يرحم ويشفِّع حتى يقول : من كان من المسلمين فليدخل الجنة، فذلك حين يَوَدُّ الذين كفروا لو كانوا مسلمين، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والثالث : أن الكفار إِذا عاينوا القيامة، وَدُّوا لو كانوا مسلمين، ذكره الزجاج.
والرابع : أنه كلما رأى أهل الكفر حالاً من أحوال القيامة يعذَّب فيها الكافر ويَسلم من مكروهها المؤمن، وَدُّوا ذلك، ذكره ابن الأنباري.
والقول الثاني : أنه في الدنيا إِذا عاينوا وتبين لهم الضلال من الهدى وعلموا مصيرهم، وَدُّوا ذلك، قاله الضحاك.
فإن قيل : إِذا قلتم : إِن "رُبَّ" للتقليل، وهذه الآية خارجة مخرج الوعيد، فإنما يناسب الوعيدَ تكثيرُ ما يُتواعَد به؟ فعنه ثلاثة أجوبة ذكرها ابن الأنباري : أحدهن : أن "ربما" تقع على التقليل والتكثير، كما يقع الناهل على العطشان والريَّان، والجَوْن على الأسود والأبيض.
والثاني : أن أهوال القيامة وما يقع بهم من الأهوال تكثُر عليهم، فإذا عادت إِليهم عقولهم، وَدُّوا ذلك.
والثالث : أن هذا الذي خُوِّفوا به، لو كان مما يُوَدُّ في حال واحدة من أحوال العذاب، أو كان الإِنسان يخاف الندم إِذا حصل فيه ولا يتيقّنُه، لوجب عليه اجتنابه.