وقال أبو السعود :
﴿ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيىِ ﴾
بإيجاد الحياةِ في بعض الأجسام القابلةِ لها ﴿ وَنُمِيتُ ﴾ بإزالتها عنها، وقد يُعمِّم الإحياءُ والإماتة لما يشمل الحيوانَ والنباتَ، وتقديمُ الضميرِ للحصر، وهو إما تأكيدٌ للأول أو مبتدأٌ خبرُه الفعلُ، والجملةُ خبرٌ لإنا، ولا يجوز كونُه ضميرَ الفصل لا لأن اللام مانعةٌ من ذلك كما قيل، فإن النحاة جوزوا دخولَ لام التأكيدِ على ضمير الفصل كما في قوله تعالى :﴿ إِنَّ هذا لَهُوَ القصص الحق ﴾ بل لأنه لم يقع بين اسمين ﴿ وَنَحْنُ الوارثون ﴾ أي الباقون بعد فناءِ الخلقِ قاطبةً، المالكون للملك عند انقضاءِ زمان المُلك المجازيِّ، الحاكمون الكلَّ أولاً وآخراً، وليس لهم إلا التصرفُ الصُّوريُّ والملكُ المجازي، وفيه تنبيهٌ على أن المتأخّرَ ليس بوارث للمتقدم كما يتراءى من ظاهر الحال.
﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستقدمين مِنكُمْ ﴾
مَنْ تقدّم منكم ولادةً وموتاً ﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا المستخرين ﴾ من تأخر ولادةً وموتاً أو من خرج من أصلاب الآباءِ ومن لم يخرُجْ بعدُ، أو مَنْ تقدم في الإسلام والجهاد وسبق إلى الطاعة ومن تأخر في ذلك، لا يخفى علينا شيء من أحوالكم، وهو بيانٌ لكمال علمِه بعد الاحتجاج على كمال قدرتِه، فإن ما يدل عليها دليلٌ عليه، وفي تكرير قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ عَلِمْنَا ﴾ ما لا يخفى من الدلالة على كمال التأكيدِ، وقيل : رغّب رسول الله ﷺ في الصف الأول فازدحموا عليه فنزلت، وقيل : إن امرأةً حسناءَ كانت تصلي خلف رسول الله ﷺ فتقدم بعضُ الناس لئلا يراها وتأخر آخرون ليرَوْها فنزلت، والأول هو المناسب لما سبق وما لحق من قوله تعالى :