وجماعة من طريق أبي الجوزاء عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلى خلف رسول الله ﷺ حسناء من أحسن الناس فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها ويستأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطيه فأنزل الله تعالى الآية، وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن أبي الجوزاء أنه قال في الآية ولقد علمنا المستقدمين منكم في الصفوف في الصلاة ولم يذكر من حديث المرأة شيئاً، قال الترمذي : هذا أشبه أن يكون أصح، وقال الربيع بن أنس : حرض النبي ﷺ على الصف الأول في الصلاة فازدحم الناس عليه وكان بنو عذرة دورهم قاصية عن المسجد فقالوا : نبيع دورنا ونشتري دوراً قريبة من المسجد فأنزل الله تعالى الآية، وأنت تعلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومن هنا قال بعضهم : الأولى الحمل على العموم أي علمنا من اتصف بالتقدم والتأخر في الولادة والموت والإسلام وصفوف الصلاة وغير ذلك.
﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ ﴾
للجزاء، وتوسيط الضمير قيل للحصر أي هو سبحانه يحشرهم لا غير، وقيل عليه : إنه في مثل ذلك يكون الفعل مسلم الثبوت والنزاع في الفاعل وههنا ليس كذلك فالوجه جعله لإفادة التقوى.
وتعقب بأن هذا في القصر الحقيقي غير مسلم وتصدير الجملة بإن لتحقيق الوعد والتنبيه على ما سبق يدل على صحة الحكم، وفي الالتفات والتعرض لعنوان الربوبية إشعار بعلته، وفي الإضافة إلى ضميره ﷺ دلالة على اللطف به عليه الصلاة والسلام.
وقرأ الأعمش ﴿ يَحْشُرُهُمْ ﴾ بكسر الشين ﴿ إِنَّهُ حَكِيمٌ ﴾ بالغ الحكمة متقن في أفعاله.
والحكمة عندهم عبارة عن العلم بالأشياء على ما هي عليه والإتيان بالأفعال على ما ينبغي ﴿ عَلِيمٌ ﴾ وسع علمه كل شيء، ولعل تقديم وصف الحكمة للإيذان باقتضائها للحشر والجزاء، وقد نص بعضهم على أن الجملة مستأنفة للتعليل. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ١٤ صـ ﴾