﴿ وحفظناها ﴾ أي : السماء ﴿ مِن كُلّ شيطان رَّجِيمٍ ﴾ قال أبو عبيدة : الرجيم : المرجوم بالنجوم، كما في قوله :﴿ رُجُوماً للشياطين ﴾ [ الملك : ٥ ] والرجم في اللغة : هو الرمي بالحجارة، ثم قيل : للعن والطرد والإبعاد : رجم.
لأن الرامي بالحجارة يوجب هذه المعاني.
﴿ إِلاَّ مَنِ استرق السمع ﴾ استثناء متصل، أي : إلاّ ممن استرق السمع، ويجوز أن يكون منقطعاً، أي : ولكن من استرق السمع ﴿ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُّبِينٌ ﴾ والمعنى : حفظنا السماء من الشياطين أن تسمع شيئاً من الوحي وغيره إلاّ من استرق السمع، فإنها تتبعه الشهب فتقتله أو تخبله، ومعنى ﴿ فأتبعه ﴾ : تبعه ولحقه أو أدركه.
والشهاب : الكوكب أو النار المشتعلة الساطعة كما في قوله :﴿ بِشِهَابٍ قَبَسٍ ﴾ [ النمل : ٧ ] قال ذو الرمة :
كأنه كوكب في إثر عفريت... وسمي الكوكب شهاباً، لبريقه شبه النار، والمبين : الظاهر للمبصرين يرونه لا يلتبس عليهم.
قال القرطبي : واختلف في الشهاب، هل يقتل أم لا؟ فقال ابن عباس : الشهاب يجرح ويحرق ويخبل ولا يقتل، وقال الحسن وطائفة : يقتل، فعلى هذا القول في قتلهم بالشهب قبل إلقاء السمع إلى الجنّ قولان : أحدهما : أنهم يقتلون قبل إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم، فلا تصل أخبار السماء إلى غير الأنبياء، ولذلك انقطعت الكهانة.
والثاني : أنهم يقتلون بعد إلقائهم ما استرقوه من السمع إلى غيرهم من الجنّ.
قال ذكره الماوردي، ثم قال : والقول الأوّل أصح.
قال : واختلف هل كان رمي بالشهب قبل المبعث؟ فقال الأكثرون : نعم، وقيل : لا، وإنما ذلك بعد المبعث، قال الزجاج : والرمي بالشهب من آيات النبي ﷺ مما حدث بعد مولده ؛ لأن الشعراء في القديم لم يذكروه في أشعارهم.
قال كثير من أهل العلم : نحن نرى انقضاض الكواكب، فيجوز أن يكون ذلك كما نرى.
ثم يصير ناراً إذا أدرك الشيطان.


الصفحة التالية
Icon